البعد الجماعي للرسالة

بقلم خوسيفينا أراثوريث - من جماعات الحياة المسيحية في شيلي

أولاً: كيف نفهم البُعد الجماعي للرسالة؟

يعيش رفاق الكرمة الانتماء للجماعة العالمية والانطلاق الرسولي الذي يترتب على هذا الانتماء في جماعات صغيرة مرتبطة بجماعة أكبر هي الجماعة الوطنية. في هذه الجماعات الصغيرة وبمساندة الأعضاء الآخرين، يبدأ كل عضو في اكتشاف الروحانية الإغناطية والرسالة الشخصية وصبغهما بصبغته الشخصية. وبالعلاقة مع المسيح، تنمو الجماعات في الرغبة في أن تعيش أسلوب حياة بسيط في انتباه لنداءات الرب من خلال الأشخاص والأحداث والواقع. وهذا الإنصات لصوت الله يُشعر الأعضاء بمسؤوليتهم تجاه مشاكل زمانهم، ويتأثرون بما يحدث، والله يحررهم ويدفهم للبحث عن إرادة الله المُحِبَّة لعالمنا الذي يبحث عن مخلص ويقودهم الله إلى الرغبة في إعلان البشرى السارة التي غيرت حياتهم وإلى تمييز الخدمة الأكبر والأكثر شمولية. وحينئذ ينطلق إبداع الحب... وشيئًا فشيئًا تجد جماعة رفاق الكرمة نفسها منغمسة في هذه العملية... عملية استقبالها لاحتياجات العالم وتمييزها لها والرد على هذه الاحتياجات ردًا جماعيًا. ومن هنا تنشأ الرغبة في أن يكون للجماعة الصغيرة خدمة رسولية جماعية؛ ولكن ذلك ليس سهلاً. فالمألوف هو أن أفراد الجماعة نفسها في نموهم في الحرية والروح الرسولية يجدون أنفسهم مدعوين لتلبية احتياجات مختلفة. المهم هو أن يميّزوا في الجماعة المواهب المختلفة التي أعطاها لهم الرب، والتي تغنيهم وتغني الكنيسة من خلال كل واحد منهم. عليهم إذًا أن يهتموا بهذه النعم التي وهبها لهم الرب، ويساندوا التزامات كل واحد فيهم بالصلاة وبمراجعة الحياة.

وأخيرًا، فإن رسالتنا الجماعية في الجماعات الصغيرة تتمثل أساسًا في أسلوب حياة هو شهادة منفتحة على أولويات الرسالة في خدمة متنوعة. ولكن هذا لا يكفي. فمن الضروري أن يكون لرفاق الكرمة كجماعة كنسية حضور إنجيلي يظهر في صورة واضحة وملموسة، وبذلك تستطيع ثمارها أن تفتح آفاق أخوة وتنغمس في الثقافة التي تعيش في وسطها. فتبشر هذه الثقافة من الداخل وتضفي عليها بعدًا إنجيليًا يغيّر المواقف ومعايير الحكم على الأمور.

ثانيًا: صور ممكنة لتنمية البعد الجماعي للرسالة في الجماعات المحلية:

نسعى في الجماعات الإقليمية والمحلية لرفاق الكرمة نحو تنمية الروح الرسولية الجماعية، ذلك عن طريق البحث عن صور مناسبة لتحقيق الاستمرارية والقوة والفاعلية وبلوغ نتائج أفضل للرسالة الجماعية، وللمبادرات الفردية المتعددة  للخدمة والتي هي ثراء لكل الكنيسة.

وها هي بعض الأمثلة للاتجاهات التي تعمل فيها جماعات كثيرة في مختلف أنحاء العالم:

- تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا: الفقر المدقع، الإدمان، البطالة، مشاكل الإسكان...

- إقامة علاقة مع السلطات الكنسية المحلية لمعرفة متطلبات الرسالة، وكذا مشاركتها قلقنا وعرض خدماتنا عليها.

- إقامة علاقة مع مجالس العلمانيين على المستوى القومي وعلى مستوى الإيبارشيات (ولو لم يكن لها وجود، المساهمة في إنشائها).

- إقامة علاقات مع مختلف الأنشطة أو الجماعات العلمانية لمشاركة مشاكلنا وتأييد المبادرات التي تحتاج إلى تشجيع قطاع معيّن في الكنيسة.

- وضع نظم ومناهج تكوينية تعكس وتنمي الروح الرسولية والجماعية.

- تنظيم دورات في التحليل الاجتماعي والتعاليم الاجتماعية للكنيسة لتوضيح وتعميق التمييز في الجماعة.

- تقديم خدمات تتعلق بما يميّز روحانية الرفاق، مثل إعطاء الرياضات الروحية بكل أشكالها، تنظيم اجتماعات صلاة، المساعدة في التمييز الروحي... إلخ، وتتوجه هذه الخدمة لا إلى رفاق الكرمة فحسب بل إلى آخرين، وإلى سائر الأنشطة العلمانية التابعة للكنيسة... إلخ.

- تجميع اهتمامات ومبادرات الاشخاص الذين يشعرون بدعوة لتقديم خدمة ما. ويمكن تكوين "فرق رسولية" تجمع أشخاصًا من جماعات مختلفة يرغبون في القيام بعمل محدد في أي مجال . ويمكن تكوين هذه الفرق الرسولية على مستويات مختلفة: على مستوى تجمع سكاني أو مدينة أو إقليم أو بلد.  

 ورغم ذلك تبقى الجماعة الصغيرة هي مكان الالتقاء، مكان التمييز، المكان الذي يُعطى دفعة جديدة لتلقي الرسالة التي يعطيها لنا الرب. ولكن في وقت تنفيذ تلك الرسالة التي ترسلنا لها الكنيسة, لابد وأن يكون لدينا الهياكل الملائمة لتعضيد روحنا الرسولية الجماعية. هياكل مرنة تكون من ناحية سندًا مناسبًا لمن يشعرون بنداء لتجسيد رسالتهم في مجال محدد، ومن ناحية أخرى تساعدنا على أن نشعر أن عمل الآخرين هو عملنا أيضًا لأنه من ثمار رفاق الكرمة ككل.

عن محاضرة ألقتها خوسيفينا أراثوريث - من شيلي - في مؤتمر جوادالاخارا في المكسيك - 1990-  وقد نُشر المقال المترجم في مجلة رفاق الكرمة في مصر.