عن الفرح أتحدث

عن الفرح أتحدث

 بقلم أماني فوزي

وتفرح في عيدك أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك واللاوي والغريب واليتيم والأرملة الذين في أبوابك

سبعة أيام تُعيد للرب إلهك في المكان الذي يختاره الرب

لأن الرب إلهك يُباركك في كل محصولك وفي كل عمل يديك فلا تكون إلا فرحًا

تث 16 :14-15

 

شعرت بالرغبة الشديدة في الكتابة عن هذا الموضوع منذ أن سألتني ابنتي يوم عيد الحب أن أحكى لها عن أكثر اللحظات التي شعرت فيها بالسعادة في الفترة السابقة من حياتي. سؤال لطيف، أدعو الكل في لحظات الحزن أن يطرحه على نفسه ليعثر لنفسه، كما عثرت أنا أيضًا، على أسباب كثيرة جدًا للفرح، تمد حياتنا بالطاقة والرضا، فقط عند تذكرها.


لكنني اكتشفت في لحظة فحص الذات تلك، والعودة إلى الوراء بعض الشيء، أن أكثر ما يشعرني بالفرح هو أن أشعر ببركة ورضا الله في حياتي. لا أنكر أنني عثرت أيضًا على لحظات أخرى سببت لي فرحًا،  ولكن لم يكن فرحًا يمنح الرضا والسلام مثل اللحظات التي اختبرت فيها بالفعل استجابة الصلاة، أو عندما شعرت أن ربنا أوكلني على مهمة ما، على شخص ما، على شيء ما، لأنه يريد مني أن أقوم بعمل ما. عندئذ كنت أشعر بأن لحياتي معنى حقيقي ولوجودي بالفعل فائدة حقيقية.


 

 

أتفاعل سريعًا مع الأحداث، يصيبني الحزن على ما يحدث حولي سواء للبشر ومعاناتهم اليومية حولي، سواء ما يحدث في البلاد المحيطة بنا. الظلم يثقل على انسيابية الحياة ويعرقلها، أشعر بالعجز أمامه وتملأ رأسي التساؤلات وأنحني أحيانًا أسفله. ولكنني أجد ومضات الفرح حتى في وسط الحزن وأجد وعود البركة لي ولغيري حقيقية، وأكتشف في كل مرة في حدث أليم أنني فعلاً لا أتذكر سوى: "يقدر أن يُعين المُجربين".  

أقول هذا وأنا أستحضر إلى ذهنى أم الشب كريم خزام وهي تقول في لقاء لها، إن الله يعطي تعزية أكيد وأنها تشعر بهذا بالفعل، كانت تتحدث بسلام أشعرني أنا بالسلام، سلام لا يمكن ألا يكون قد منحه لها سوى مانح السلام. أثق في قلبي أن من يبحث عن السلام فيه يجده، أثق في "تطلبونني تجدونني عندما تطلبونني بكل قلبكم" أرميا 29.

لذلك أجدني في حاجة أن أتذكر معكم أسباب الفرح في حياتنا، الأسباب التي تركها لنا يسوع حيث كان يعرف أنه في العالم سيكون لنا ضيق. لنعرفها معًا ونتشبث بها معًا ولنتذكرها، لنستطيع أن نزيح عن كاهلنا ثقل ما نشعر به من ظلم ينتشر حولنا، ونستعيد طاقاتنا التي نحتاج أن نكون من خلالها ملح الأرض ونور العالم.

 

بعض أسباب الفرح

حياة الشركة الحقيقية (جسد المسيح الواحد):

نبحث جميعًا عن تلك الحياة، فلقد وعدنا وأوصانا يسوع بها عندما وعد أن يكون في وسطنا إذا اجتمعنا باسمه. جربت أن أعيش بلا شركة ولهذا عرفت مميزات وجودها في حياتي، لذلك تعلمت أن أقدر كل لحظة أشعر بها بشركة حقيقية.

شعور الانتماء إلى الجسد الواحد يميز حياتنا، شعور علمتني الأيام أنه شيء من السماء ولا يضاهيه أي شعور آخر. شعور بأننا جميعًا يجمعنا يسوع وأننا جميعًا تحيط بنا المحبة نفسها وتغمرنا. لذلك فمهما بعدت الأيام بيننا أحيانًا، أو شغلتنا الظروفـ،، نعرف أن نكون موجودين بعضنا من أجل البعض الآخر، نعرف كيف نعيش هذه الحياة المشتركة.

أتذكر بكل فرح كل لحظة اجتمعنا فيها للصلاة وكان الروح يقود الاجتماع بالفعل، وكيف يهتم الله بالفعل أن يتحدث مع كل واحد منا عما يقلقه أو ما يحتاجه.  وأتذكر أيضًا كل مرة اجتمعنا لنأكل أو لنخرج وأنا أتأمل كيف عرفنا أن نُفرح بعضنا بعض، وكيف أن تواجدنا معًا يكون أساسه بالفعل رغبة كل منا إسعاد الآخر. لحظات السعادة مع الفريق، ومع شركاء الجسد الواحد الذين يحاولون أن يعيشوا هذا بحق، لا يضاهيها شعور آخر بالرضا وبالفرح. نعم، يسوع في الوسط بمحبته يمنح الفرح لنا جميعًا، يعلمنا أن نحب بعضنا البعض، محبته هو وليس محبة العالم.

 

القيامة اليومية والغرض من الحياة

نعم، كثيرًا ما يصيبنا الموت بالألم، وكثيرًا ما يفاجئنا بأن له صورًا بشعة، أبشع من أفلام الرعب التي طاردتني حيث أعيش الآن. لم أعرف مجتمعًا يعتز بأفلام الرعب كالمجتمع الإنجليزي، ولكن كل يوم أتأكد أن الجو الرمادي الكئيب يساعد بلا شك على زيادة هذا النوع من الخيال المُرعب.

لكن ما حدث في مصر من مذابح في الفترة الأخيرة ومن موت شباب كان يكاد ييدأ حياته بصور لم يكن لعقل كثيرين منا أن يتخيلها فاق كل الخيالات الكئيبة التي حولي، ليس فقط في مصر بل في الدول العربية الأخرى حولنا.

كثيرًا ما تصدمني صورة من ماتوا ونضارة أعمارهم وأسقط مرة أخرى في الألم. ولكنني أحاول أن أتعلق بما علمه لي يسوع أيضًا، فهو الذي قال لي إن الموت ليس النهاية بل البداية، فهو الذي قال لي إن بموته هو قد أعطانا جميعًا حياة.

أتذكر بفرح صديقة عزيزة ذكرتني بعمر الفراشات، الذي لا يتجاوز في بعض الأحيان الأيام الثلاثة، ورد صائد الفراشات على الفتاة الصغيرة وهي تسأله: ثلاثة أيام فقط، فيجيبها: فترة كافية للفراشات. وأتذكر الغرض، وأقول الحياة ليست بعدد السنوات التي يقضيها المرء فيها ولكن تتعلق بغرض الوجود، ولكل منا غرض وجود يعمل على إتمامه. حتى المسيح على الصليب، فهو أيضًا مات مبكرًا جدًا، ولكنه قال: قد أكمل. كانت حياته على الأرض لغرض، وحياة كل منا هي لغرض. وطوبى لمن يعرف الغرض من وجوده!

أشعر بأن الله يذكرنا بأن بعد الموت حياة، كل يوم، عندما نرى حياة الأزهار والأشجار، الطبيعة حولنا. يضحك أصدقائي مني كثيرًا في الفترة الأخيرة إذ أصبحت أهتم كثيرًا بأن أراقب النباتات، وخاصة الزهور. أرى في كل وردة وعد الله بالحياة التي لا تنتهي وتبدأ بعد الموت تتحقق أمامي، وأجد فيها سببًا قويًا للفرح. أفرح كثيرًا في كل مرة أستيقظ فيها في الصباح فأجد ما تركته أسفل الطين قد نما وظهر وبدأ ينمو. أصدق القيامة كل يوم وأصدق كل يوم أنه إن لم تقع الحبة وتمت لن تأتي بثمر.

أسباب فرح أخرى كثيرة تركها لنا يسوع ومنحها الله لنا، ربما أكملتها مرة أخرى.

الله يريدنا أن نفرح، ولكنه يريدنا أيضًا أن نقيم العدل ليكون فرحنا كاملاً، الله يدعو كل واحد منا أن يفرح مع أسرته ويبحث عن الغرباء والأيتام والأرامل حوله ليسعدهم ويشاركهم فرحه. غرضنا نحن أن نتمم عمل الله في الأيام السبعة، في كل يوم من أيام حياتنا. يريدنا الله أن نفرح مع أبنائنا ومع عائلاتنا ولكن أيضًا يقول لنا إن فرحنا سيكتمل عندما ينضم لهذا الفرح من في أبوابنا من محتاجين، عندما نُظهر محبته ويرى في كل واحد فينا "يسوع" فيفرح هو أيضًا بنا.