أحد الشعانين

بقلم الأب داني يونس اليسوعيّ 

دخلنا إلى الكنيسة يوم أحد الشعانين حاملين سعف النخل فرحين بالملك الّذي أتى ويأتي باسم الربّ ليخلّص شعبه من الموت ومن الخطيئة، وسمعنا كيف دخل الربّ مدينته وسط الهتاف، راكبًا بتواضع على ابن أتان، ليس فيه عنف ولا كبرياء، بل محاطًا بالتسبيح، كما يقول المزمور الثامن: بأفواه الأطفال والرضّع أعددتَ لك تسبيحًا (متّى 21: 16). والآن تأتي كلمة الله لتخبرنا عن آلام الربّ وسط عنف البشر، وأفواه من سبّحوه تنطق بالسخرية وتهتف "اصلبه! اصلبه!"، وتلاميذه يهربون، وحتّى الله الّذي أتى يسوع باسمه يبدو بعيدًا: "إلهي إلهي لماذا تركتني؟". ما الّذي تقوله لنا كلمة الربّ اليوم؟ ماذا يريدنا الربّ أن نفهم؟ أشير إلى ثلاثة أمور قد تساعدنا على استقبال الكلمة في هذا الأحد لكي تعمل فينا وتحوّل قلوبنا. 

  1. أوّلاً، يسوع هو الملك، صحيح، لكنّه ليس كملوك الأرض. ليست مملكته تسلّطًا وعنفًا، بل كما يقول هو نفسه لتلاميذه: "تَعلَمونَ أَنَّ الَّذينَ يُعَدُّونَ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسودونَها، وأَنَّ أَكابِرَها يَتَسَلَّطونَ علَيها. فلَيسَ الأَمرُ فيكم كذلِك. بل مَن أَرادَ أَن يَكونَ كَبيراً فيكم، فَلْيَكُنْ لَكُم خادِماً. ومَن أَرادَ أَن يكونَ الأَوَّلَ فيكم، فَلْيَكُنْ لأَجمَعِكم عَبْداً. لأَنَّ ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس". (مرقس 10: 42-45). يعلّمنا يسوع من هو المستحقّ أن يدعى رئيسًا على الشعب: هو الّذي يبذل ذاته في سبيل الشعب، هو من "يخلي ذاته" كما يقول بولس في القراءة الثانية. هكذا تختلف أفكار الله عن أفكار البشر، فأمام الله، الملك هو الّذي يذهب إلى الحدّ الأقصى في حبّ من ائتمنه الله عليهم فجعل نفسه عبدًا لأجلهم. في هذا دعوة لنا أن نتوب، أن ننتقل من أفكار البشر إلى أفكار الله. نظنّ أنفسنا كبارًا حين يشعر الناس بقربنا أنّهم أصغر منّا: هذه أفكار البشر. أمّا بحسب أفكار الله، فالكبير هو من يشعر الناس بقربه أنّهم كبار. نحن الّذين سرنا في موكب تسبيح المسيح، نحتفل بالّذي أحبّنا حتّى أنّه بذل ذاته لأجلنا، فمن أنا؟ أنا من بذل الله نفسه في سبيلي، لهذا أحتفل وأسير في موكب الفرح، ومن أخي؟ من أختي؟ هو كلّ من بذل المسيح نفسه في سبيله. نحن مدعوّون إلى هذه التوبة الّتي فيها أتخلّى عن مساعي السيطرة على الآخر وأرى فيه حبيب الله.

2. كلمة الله تدعوني إلى توبة أخرى كذلك: الّذين هتفوا "هوشعنا" يوم أحد الشعانين، هم الّذين صرخوا "اصلبه" يوم الجمعة العظيمة. وأنا الّذي دخلت الكنيسة في موكب التسبيح، تأتي كلمة الله لتمتحن صدقي، لتحذّرني: هل أحبّ المسيح ملكًا وأرفضه مصلوبًا؟ هل أحبّه سيّدًا ضابط الكلّ وأنكره حين يسلم ذاته لأجلي ولأجل البشر؟ ربّما نحن نشبه التلاميذ: لا نقوى على السير مع المسيح حتّى المنتهى بالرغم من ادّعائنا، فلعلّنا مدعوّون إلى التواضع: يا ربّ أنت تعلم أنّي أحبّك، فأعن حبّي الضعيف، وأنا أثق أنّك ستقودني إلى الاكتمال الحبّ. فلتكن يا ربّ أقوالي وأعمالي اليوم متّجهة إلى تسبيحك حتّى أتدرّب يوميًّا على الحبّ فلا يكون تسبيحي كذبًا ولا ادّعاء بل صدقًا وفرحًا.

3. تريد كلمة الله أن تفهمني شيئًا أعمق من كلّ هذا. نحن على مدخل الأسبوع المقدّس، في أوّل يوم منه، ويوم عيد الفصح هو اليوم الثامن، أو اليوم الأوّل من أسبوع جديد. قراءة رواية الآلام حتّى موت يسوع ودفنه في هذا اليوم تؤكّد على وحدة هذا الأسبوع، تذكّرنا بالأسبوع الأوّل في الكتاب المقدّس، أسبوع الخلق. "هاءنذا أصنع كلّ شيء جديدًا" (رؤيا 21: 5). في هذا الأسبوع تظهر حقيقة الخلق: يسوع يجابه قوى الموت، يعطي جسده ودمه، من على الصليب يفتدي كنيسته ويسلمها الروح، ويدعو إليها قائد المئة الوثنيّ، ويأخذ مكان الهيكل فيصير هو هيكلنا... إذا كنّا نقرأ رواية الآلام كلّها في هذا الأحد، فذلك لأنّ كلمة الله تدعونا إلى التنبّه لما يحصل في هذا الأسبوع: يسوع يحمل تاريخنا، خطايانا، مخاوفنا ويقودها إلى أمام الآب، لكي يخلقنا من جديد في أحد جديد، في اليوم الأوّل من أسبوع جديد، في قيامة الربّ المجيد.

 

نشرت على موقع الآباء اليسوعيين في الشرق الأوسط