ابن الله الفقير

ابن الله الفقير

بقلم أماني فوزي

في إنجلترا، بدأت الاحتفالات حولنا في كل مكان الآن بعيد الميلاد. ويقولون هنا إن احتفالات الكريسماس هي أكثر وقت في السنة تنتعش فيه حركة السوق، وتتراكم فيه الديون التي تكبل الناس لسدادها طوال السنة.

نعلم جميعًا بلا استثناء قصة الميلاد ونرنم في فخر بأن "المسيح اتولد فقير زينا علشان هو حبنا"؟؟؟

ولكن هل نحن بالفعل فقراء؟؟؟

وهل هذا يعني أن المسيح يحب الفقراء أكثر من متوسطي الحال أو الأغنياء أو حتى فاحشي الثراء؟

هل المقصود بالفقر مجرد الفقر المادي؟ ومن هم المساكين بالروح الذين طوبهم المسيح؟؟؟ والودعاء؟

نريد أن نختار المسيح ونتبعه، هل نتبعه أيضًا في كونه كان فقيرًا؟ ولماذا لا يفعل ذلك سوى الرهبان والراهبات؟ والسؤال هو: هل يعيشون هم أيضًا كفقراء بالفعل؟؟

لماذا إذن امتلأت حياتنا بأمثلة تعبر عن الكراهية للفقر؟ ولماذا نخافه ونصلي كل يوم لله في صلاتنا اليومية أن يعطينا كفايتنا من الخبز؟ ونطلب البركة والستر في كل وقت؟


 


 

 

للفقر قصة قديمة

إذا عدنا للعهد القديم نجد أنه حدث تطور لفكرة الفقر ربما يساعدنا على فحص ومراجعة الكثير من أفكارنا. ففي بداية العهد القديم كان الثراء دليلاً على بركة خاصة من الله، فممتلكات إبراهيم وميراث داود الذي تركه لسليمان جميعها تؤكد على أن الثراء كان دليل على رضا الرب. وكان الفقر غالبًا يُعد لعنة وعقاباً على سوء السلوك، وتطور الأمر في سفر أيوب ليصبح أيضًا نتيجة لشر الآخرين وفُجر الأثرياء.

 

فقراء يهوه Anawim  [1] 

ولكن نجد الكتاب المقدس يقودنا في هذا الأمر إلى مفترق طرق ويحدث تمييز بين نوعين من الفقراء:

- الفقير الجشع اليائس البائس المتمرد على حياته والذي غالبًا يسير في طريق مسدود.

- والفقير الآخر هو ذلك الذي يسلم احتياجه إلى الله، ومن خلال هذا التسليم تعلم أن يثق أكثر بيهوه، فقد أدى به احتياجه المادي إلى أن يكون لديه إحساس أعمق بالاعتماد الكامل على الله، ويُطلق على هؤلاء الفقراء لقب  Anawim[2] إي "فقراء يهوه".

وAnawim      هي الكلمة التي قابلتها معان متنوعة في الترجمات: فهي تأتي بمعنى مسكين أحيانًا وبمعنى وديع في أحيان أخرى ومتواضع أيضًا. فمن طوبهم يسوع على الجبل هم "فقراء يهوه".

و"فقراء يهوه" يعلمون جيدًا ويُدركون أن حاجة الإنسان الأساسية هي إلى الله، فكانوا بمعرفتهم تلك كالأبواب المفتوحة أمام الله. وانتقل الفقر اللعنة ليتحول إلى الفقر البركة، وشكلت مجموعة فقراء يهوه الأقلية التي حملت العهد، ولم تتطلع في حياتها سوى إلى تتميم مشيئة الله... ومنهم جاء المسيح، ومثلهم كانوا أيضًا تلاميذه، فكان يعلمهم أن لا يمتلكوا شيئًا ليختبروا فعليًا هذا الاعتماد الكامل على يهوه، فهو المتكفل بهم تمامًا في طريقهم... "لا تحملوا كيسا ولا مزودا ولا أحذية ..." (لوقا 10).

لقد أدركوا في ضعفهم بأن قوتهم ووجودهم يكمن في يهوه، فاستكانوا له وأصبحوا منفتحين تمامًا على ما يريد يهوه عمله في حياتهم.  فعندما وقفت القديسة العذراء  مريم تستقبل البشارة تحدثت هي أيضًا عن الله الذي يرفع المتضعين، كما جاء ذلك في العهد القديم (مز 147)، فهي تعرف إلى أي مجموعة تنتمي، ويوسف أيضًا، فالاستسلام إلى مشيئة يهوه هو ما عرفوه طوال حياتهم، هو ما يمنح المعنى لوجودهم..

 

بعض سمات الفقير إلى يهوه (المسكين بالروح)

إنه شخص ضعيف ولكن يملؤه الأمل، بسيط ومتواضع. ربما امتلك المال والمواهب والقدرات ولكن لا شيء من هذا كله يمتلكه، بل يعرف أن قيمته ليست في تلك الأشياء جميعها ولكن في اعتماده التام على يهوه. ويرسل بولس تحذيره للأغنياء في رسالته الأولى إلى تيموثاوس قائلاً: "أوصِ الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع    .      (ا تيم 6: 17).

إنه شخص يعلم أنه لا يمتلك شيئاً فيعطي من نفسه، فهو يعطي وقته واهتمامه، يعطي راحته وما قسمه الله له، يعرف كيف يشاركه مع الآخرين، فهو يُدرك تمامًا أن ما لديه ليس له، فهو عطية من يهوه...

شخص يشكر الله بقلب صادق شكرًا حقيقيًا على ما يمنحه إياه.... بل هو يعلم ما يفتقر إليه أيضًا ويشكر الله عليه حيث أنه يقبل نفسه كما هي إذ يُدرك ويعلم أن يهوه يقبله كما هو، وعلى استعداد لاستخدامه في حالته هذه... فهذا الضعف والنقص سيُمنح قوة من يهوه ويتحول إلى إمكانات عظيمة.

 

يا رب

في ذكرى ميلادك هذا العام

أقدم لك مخاوفي من المستقبل

أقدم لك ما اعتمد عليه من أدوات في الحياة

أقدم لك ما لدي من إمكانات

أقدمها كلها لك لأنني أعلم أنها منك

علمني أن أكون مسكينًا بالروح

يعرف كيف يقدم المسكين بالروح نفسه للآخرين

كيف يقدم لهم من وقته ومن صحته

لا من أمواله فحسب.

علمني أن أكون مسكينًا

يعرف أن رجاءه فيك أنت وفي خلاصك

يعرف أن أمانه ليس في أشياء ولكن فيك أنت

امنحنا يا رب أن نكون جميعًا "فقراء يهوه" من "غلبتهم الحاجة "

ليس إلى شيء سوى لشخصك ومعيتك ومشيئتك في حياتهم .

 

قراءات

How Happy are the poor in Spirit, from As bread that is broken by Peter G.van Breemen, S.J.

The Treasures of the church, A Theology of the Anawim, Eric Stotlz

Anawim Scriptures, www.anawimcc.org

 

 


[1]   تبعًا لكتاب The New Jerome Biblical Commentary    فكلمة Anawim    هي تعبير عبري مقصود به "من غلبته الحاجة". وقد تمت ترجمة الكلمة في بعض الأحيان بالودعاء وأحيانًا اخرى بالفقراء.

[2]   وجاءت الكلمة بأصلها العبري في كثير من الآيات في الكتاب المقدس منها (المزامير: 9:18- 10:17- 22:26 – 25:9 – 37:11 – 147:6)

أشعياء 11:4- 29:19- 61:1