لأنه في ما هو قد تألم مُجربًا يقدر أن يُعين المُجربين

 

“لأنه في ما هو قد تألم مُجربًا يقدر أن يُعين المُجربين 

بقلم أماني فوزي

 

زي الوقت ده السنة اللي فاتت كنت قاعدة كده برضه، الكمبيوتر مفتوح على الفيس بوك وبأحاول اشوف ايه اللي هيحصل.

ما كانش عندي أمل كبير في أي حاجة، كنت بأقول لنفسي: عادي زي كل المظاهرات اللي ابتدت من 2005، هينزلوا الناس هما هما، وهيضربوهم، وكنت شايلة هم الناس دي، على الرغم أني معرفهومش شخصيًا، لكن أعرف هما مين افتراضيًا. والشيء الغريب انهم بيفرقوا معايا، وجودهم في الحياة في حد ذاته علمني حاجات كثير. كانوا العيون اللي بتشوف الحقيقة، وبتنشر الوعي، على قد ما تقدر في وقت البلد فيه اتقسمت بشكل غريب. والناس كانت فعلاً مش عايزة تشوف حاجة غير اللي يريح دماغها. وحتى لو شفت الظلم بعينيك، الإعلام يضللك وينيم ضميرك. والناس عايشة وخلاص. وناس بتحاول تعيش طول الوقت.

 بدأت الخلافات في الآراء والخناقات بين الأفراد من وقت خالد سعيد، إحساس الواحد بظلم وناس بتبرره، كانت حاجة مؤلمة، انا فاكرة كويس الصرخات، حرام عليكم، حتى لو مدمن أو مُهرّب مش المفروض يتعمل فيه كده.

 بعد القديسين، كان فيه فعلاً بروفات ثورة، والناس ابتدت تنزل الشارع، والواحد كان قلبه بجد مكسور.

 

 

 

 

 


نرجع تاني ليوم 25 وأنا قاعدة كده، نادين نزلت لينك عبقري يخلينا نتابع اللي بيحصل على الهواء مباشرة، وفاكرة أول الدموع مع هتافات "انزل، انزل، ويا أهالينا ضموا علينا"
 


قعدت أصرخ وفرحت، يا ربي الأعداد كبيرة، انا مش قادرة أصدق اللي بأشوفه، يا رب يا ترى فيه حاجة هتتغير، بس ما قدرش أنكر إن الفرحة مش الخوف هو اللي مسيطر عليّ، أخيرًا الناس رفضت الظلم، يعنى اشمعنى تونس واحنا يعني شوية.


الرعب ابتدا يوم الجمعة، النت اللي اتقطع، وكالات الإعلام العالمية بتنقل اللي بيحصل، الجمعة بالليل كانت اللحظة اللي قعدت أفكر فيها، يا ترى إيه؟؟ سهل الواحد يتكلم وإيده مش في النار، ما حدش مات له ولا اتعور، لكن الناس خلاص خرجت في كل حتة ومش هترجع، لكن إيه؟ الناس خايفة والرعب انتشر.

 

أنت فين يا رب؟ أنا متأكدة إنك موجود، ومافيش حاجة بتحصل أنت مش هتقدر تسيطر عليها، أنت ملك الدهور، أنت الكل في الكل. الناس تخطط وتعمل لكن أنت لك الكلمة الأخيرة. وكان شعوري مختلط بالقلق والتشبث بالفكرة، التشبث بالإيمان. أيوه أنت موجود، حتى لو أنا مش شايفة.

 

النهاردة وبعد السنة اللي فاتت وكل اللي حصل فيها، بعد كل الموت والظلم اللي كان بمعدلات متكررة، بعد كل الكذب والنفاق، بعد كل التقسيم بأسأل نفسي: يا ترى لسه حاسة بالفرحة؟ يا ترى مستنية إيه؟

 النهارده في ذكرى كل ده، مش قادرة أفكر في حاجة غير في أهل الناس اللي ماتوا واتصابوا، مش قادرة أفكر في إنجازات ولا في شكل مجلس الشعب، لكن مش قادرة أبص غير عليهم هما.

 

أفتح يديَّ وكل أفكاري أضعها عليها، أفتح يديَّ وأضع عليها الناس بألمهم ومآسيهم الكثيرة، أفتح يديَّ وأضع كل المكروبين (وأنا منهم أكيد)، أفتح يديَّ وأضع كل المخاوف والأحلام والأماني والشكوك وأقولك: يا رب استلم، يارب غيّر، يارب احمي، يا رب أرشد.

 

أفكر في إلهي العظيم، لقد قبل ان يُرفض، يُظلم، يُصلب، لكي يفدي. لكي تكون لنا نحن حياة ولكي يكون لنا الأفضل.

أحبه أكثر وأشكره حيث أنني مهما فكرت في المكلومين لن أستطيع أن أصل لما يشعرون به بالفعل مهما حاولت.

لكن ما أبهاك أنت يا رب وما أعظمك.

يقول بولس الرسول: "ثم كان ينبغي أن يُشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيمًا ورئيس كهنة أمينًا في ما لله لكي يكفر خطايا الشعب. لأنه في ما هو  قد تألم مُجربًا يقدر أن يُعين المُجربين." (عبرانيين 2:17).