أحببتهم كما أحببتني

أحببتهم كما أحببتني

بقلم أماني فوزي


في يوحنا 17 نقرأ صلاة يسوع التي يتشفع فيها إلى الآب من أجل تلاميذه، عبارات قوية وصلاة، في الحقيقة، صعبة الاستيعاب بما تحويه من حقائق لاهوتية كثيرة ومن إعلانات يعلنها يسوع عن نفسه وعن الآب وأيضًا عما يتطلع إليه بخصوص تلاميذه، ومن سيؤمنون به...

 

كثيرًا ما توقفت أمام ليكونوا واحدًا، لأفكر عن أي وحدانية يتحدث المسيح، وكيف يمكن لكنائس متفرقة أن تعيش هذه الوحدة، وكيف يمكن لنا نحن كأفراد أعضاء كنيستك أن نكون واحدًا في المسيح.

ولكنني ومنذ بضعة أيام أجد نفسي وقد استوقفتني: أحببتهم كما أحببتني

 

 

في كتابه "مثل كسر الخبز" يقول فان بريمان اليسوعي: "إن كنا نفكر في الله كشخص يقسم حبه، فنحن لا نفكر في الله ولكن في أنفسنا. الله واحد، هو كامل في وحدته. نحن لدينا الحب ولكن الله في ذاته محبة. فحبه ليس عملاً يقوم به، بل هو كيانه ذاته. لو حاولنا أن نستوعب بعض هذه الفكرة، سنفهم أن الله لا يمكنه أن يمنح ابنه 100% من حبه، ويمنحنا نحن 70%، لن يكون هو الله إن فعل هذا. فالله يمنح لكل واحد فينا محبته بلا أي تقسيم، فكل واحد فينا في ذاته شغل الله الشاغل..."

 

نرفض الفكرة أحيانًا لأننا نرفض أن نقيس الأمور بطريقة مختلفة، فأنا مُصرّ على قياس الأشياء بمقاييسي المحدودة، وفي محدوديتي أحدّ من سلطان الله وأضع له حدودًا في تفكيري.

 

أفرح ويستغرقني التفكير وترديد عبارة: أنا محور اهتمام الله... الله يحبني ويهتم بي، ويهتم بكل واحد منا كأنه الوحيد على الأرض... لذلك أستمتع بالبركات والعطايا والمعاملة الخاصة...

 

فنحن نفرح بهذه الفكرة ونبدأ في نسج أفكار كثيرة حولها، ونذهب لأن نفسر كل عطية وكل فرح وكل معاملة خاصة لنا وحماية بأنها انشغال الله بيّ على الأرض... أنا أيضًا أحيانًا أفعل ذلك، ولم لا؟ ألست أنا محور اهتمام الله...

 

لكن حولي آخرين لا يستمتعون، على الأقل في نظري – المحدود أيضًا – بالمعاملة الخاصة... والبركات... والعطايا... فتبدأ التساؤلات...

 

أعود مرة أخرى لقراءة يوحنا 17 مرة ومرات... الله يحب من فيهم يسوع مثلما يحب يسوع، كيف ظهرت لنا هذه المحبة في حياة يسوع... ؟؟؟

 

أبدأ من البشارة والميلاد ولا أجد الحماية في أوقات كثيرة ولا المعاملة الخاصة، بل أجد عائلة تعاني لتجد موضعًا ليولد فيه يسوع، فلاتجد إلا مزوداً... أجد أحداثًا بالهرب وتهديدًا بالقتل ولحظات خوف... حياة عادية فقيرة ليست مليئة بالخيرات ولا المعاملة الخاصة (بمقاييسنا الحالية).

 

لم تأتِ الملائكة لخدمة يسوع في حياته إلا في مرة واحدة في بداية خدمته عندما جربه الشيطان بعد صوم وصلاة أربعين يوم في الصحراء... يقول الكتاب: ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه (مر 1: 13).

 

وأعود مرة أخرى ليسوع، لأعرف منه كيف كان يختبر إذن هذا الحب وهذا الانشغال في وجوده على الأرض... لقد طلب منه أن يعبر عنه كأس الرفض والظلمة واختفاء وجه الآب عنه في ساعات الصلب الرهيبة، ولكنه أنهى صلاته "لتكن مشيئتك".

 

كيف كان يسوع؟ وماذا كانت احتياجاته؟ تلك التي ينشغل بها الآب ويحوطها برعايته واهتمامه، ألم يقل يسوع: طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله! (يو 4: 34).

 

وأتساءل أنا: ما هو مصدر شبعي إذن؟؟ وكيف كان يسوع يشعر بملء هذا الحب؟  وهل ما يشبعني ويشعرني بحب الله لي العطايا وما أفسره بالمعاملة الخاصة؟!!!

 

أثق في أن الله يعرف كل ما في أفكارنا وقلوبنا أكثر حتى مما نعرف نحن عن أنفسنا...

يتعامل معنا معاملة شخصية ليشكّل في كل منا، ليرى في كل واحد فينا يسوع...

ولكني أصلي لأن أفهم أكثر، وأعرف وأستطيع استيعاب فكرة أن الله يحبني كما يحب يسوع!!

     

يا رب

أفرح بأنك تحبني كما أحببت يسوع

لا زلت لا أستطيع استيعاب كل هذا الحب

ولا إدراك أبعاده ومعناه في أوقات كثيرة في حياتي

أحاول الاستمتاع بفكرة أنني مقبول كما أنا

أصلي ألا أحد بتفكيري من قدرتك وسلطانك على الاهتمام  الخاص بي وبكل واحد من إخوتي

وألا أفترض أشياءً لا أعرفها ولا أفهمها

أصلي أن أخرج من اهتمامي بذاتي وتقديري للأمور وتقييمي لها ولما يحدث حولي بنظرتي القاصرة القصيرة

لألتفت أكثر لما تصنع أنت حولي من أعمال خاصة، ربما أراها في أوقات كثيرة أعمالاً عادية.

ولكني أصلي أيضًا بأن أفرح بأن أرى يسوع في كل من حولي،

لكني أحتاج أن أتعلم كيف أستمتع بهذا الحب وأن أضع نفسي في المكان الصحيح من قلبك

لأفهم ما يحدث بداخلي وما يحدث حولي

أصلي لأرى نورك، لأرى النور الحقيقي

وأرى كل شيء بنور هذا النور

أصلي كما صّلى يسوع لنا

"عَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ".