كلمات مُوَجَّهَة إلى جماعة علمانيّة نبويّة يقودها روح الله

بقلم الأب أدولفو نيكولاس

مقدّمة ـ تمنّيات

لقد نسيتُ متى حصل هذا. كنتُ أُنهي مرحلة من حياتي: سنتَين من الدّراسة في روما أو ستّ سنوات خدمة في المعهد الرّعويّ في آسيا، في شرق مانيلا. فقد قال لي أحدهم إنّ جماعة الحياة المسيحيّة في اليابان، إلى حيث كنتُ متوجّهًا، طلبَت من الرّئيس الإقليميّ أن يعيّنني كمساعد كنسيّ لها. كانوا ربّما يائسين، وأرادوا أن يحصلوا على يسوعيّ، أيّ يسوعيّ. لكنّ الرّئيس الإقليميّ كانت لديه مخطّطات أخرى، وأُبعدت جماعة الحياة المسيحيّة. كانت لقاءاتي مع جماعة الحياة المسيحيّة محدودة وغير متواترة، مع أنّ العلاقة معهم لم تنقطع أبدًا. وبالطّبع، لم أفكّر أبدًا أنّني قد أكون هنا اليوم لأتوجّه بحديث إلى الجمعيّة العموميّة.

أريد أن أقول أيضًا إنّني متأثّر جدًّا. لقد قرأت بعض وثائقكم الأساسيّة الجديدة. لقد اطّلعتُ على مشاركاتكم وتقاريركم. لقد التقيتُ ببعض ممثّليكم وبأعضاء المجلس التنفيذيّ العالميّ. وما زلتُ متأثّرًا بالرّؤية والتفاني والعمق الإنسانيّ التي أجدها فيهم جميعًا. أهنّئكم على هذا المستوى من الحياة الإنسانيّة والإلتزام المسيحيّ. [ يجب أن أقرّ أنّه كان عليّ أن أبحث في قوانينكم أو مبادئكم العامّة عن الألفاظ الصّحيحة المتعلّقة بالقيادة في جماعة الحياة المسيحيّة. كنت أريد أن أعرف كيف تُسمّون قادتكم. ففتحت المبادىء العامّة وقرأتُ: "الأقانيم الإلهيّة الثّلاثة". وسرعان ما اكتشفتُ أنّني كنت أقرأ الصّفحة الخاطئة. وبعد تقليب صفحات عديدة، وجدتُ: جمعيّة، مجلس تنفيذيّ، ورئيس، إلخ.]

هناك عامل آخَر للفرح الذي أجده هنا اليوم، وهو عِلمي بأنّنا نتشارك في أمور كثيرة، وتوجّهات أساسيّة في الرّوحانيّة الإغناطيّة، حتّى في بعض الأمور البُنيَويّة لنظامكم في القيادة. فالأمور مختلفة جدًّا عن الفترة التي كنتُ أنتمي فيها إلى الأخويّة المريميّة في المعهد اليسوعيّ في مدريد، وأنا في الصفوف الثانويّة.</p> 

لقد تغيّرت أمور كثيرة منذ لقاءاتي الأخيرة مع جماعة الحياة المسيحيّة.

قراءة رسائل التّواصل من المجلس التنفيذيّ إلى الأعضاء، رائعة. وتوصيات الجمعيّة في نَيروبي هي بلا شكّ تاريخيّة. فقد قرأتُ: "لقد شعرنا أنّنا مثبّتون في دعوتنا لنصبح جسدًا رسوليًّا علمانيًّا يشارك مسؤوليّة الرّسالة في الكنيسة" (نَيروبي 2003). كلّ هذا، ببساطة، هو خارق بالنّسبة إلى جماعة أو منظّمة علمانيّة. والسّبب هو أنّ تأكيدًا كهذا، حصل بعد عمليّة تمييز، له نتائج كبيرة لجماعة الحياة المسيحيّة ولكلّ أعضائها. وهذا هو، بالتحديد، ما تريدون تعميقه في فاتيما.

هذا التغيير المهمّ في وَعي أعضاء جماعة الحياة المسيحيّة، جرى بطريقة إلهيّة، في الوقت الذي تجري فيه تغيّرات أساسيّة. فقد مرّت فترة في العالم حيث كان بعض الأفراد الأقوياء والموهوبين وذوي رؤية، يُحدِثون تغييرات في الكنيسة وفي الّرهبنة اليسوعيّة. وهذا يبقى صحيحًا إلى حدٍّ ما، ولو بدرجة أدنى. لقد عَرَفَت جميعُ الأجيال أشخاصًا لديهم تأثير كبير للخير أو للشّرّ. فالإنسان الموهوب يؤثّر دائمًا على الآخَرين.

لكنّ الأزمنة تغيّرت، ويمكننا أن نختبر الآن كيف أنّ الجماعات، والحركات، والمشاريع المشتركة إلخ. تُحدث فَرقًا. إذا أراد أحد الأفراد أن يحقّق تغييرًا في المجتمع، فهو يرى أوّلاً كيف يحرّك الآخرين، كيف يخلق حركة تفكيريّة وتحفيزيّة ورؤيويّة، لكي يصبح التغيير ممكنًا.

وفي وقت كهذا، شعور جماعتكم بأنّها مثبّتة في رسالة مشتركة، هو أحد أجوبة الله على حاجة عالمنا المتنامية إلى عمل تمّ التمييز حوله وهو مضاء باسم الشعب والعدالة والمصالحة.

يمكننا أن نترجم الملاحظة السّابقة بتعابير كنسيّة. في وقتٍ مضى، كان للكهنة والرّهبان والرّاهبات وغيرهم من الإرساليّات المعترَف بها رسميًّا، الدَّور في إحياء الكنيسة وإعطاء الاتّجاهات في الميادين المهمّة من حياة الكنيسة وحياة الإيمان. ولكن، هنا أيضًا، الأزمنة قد تطوّرت. فنحن نعتاد على عيش إيماننا ومحبّتنا بعفويّة أكبر، آتية من خبرتنا ومن تمريننا في تمييز تحرّكات الرّوح. نحن نحترم القادة العلمانيّين كما كنّا نحترم الإكليروس في ما مضى؛ نقرأ كتابات اللاّهوتيّين العلمانيّين، ونستوحي من حياة وشهادات أزواج علمانيّين، وأشخاص مكرّسين علمانيّين، أشخاص وجدوا طُرُقًا للقداسة حيث كنّا في ما مضى نبحث عن "حياة علمانيّة صالحة". نحن نستمع ونرافق العلمانيّين والجماعات التي يؤلّفونها، ونندهش لرؤيتنا الطُّرُق العديدة التي ابتكروها.

وأخيرًا، مَرَّ زمن كانت فيه الكلمة المبشِّرة والمكتوبة ذات أهمّيّة في حياتنا. إنّنا نأتي من تراث طويل وغنيّ حيث كانت للكلمات الأهمّيّة المُطلقَة، وحيث كان الإيمان، حسب قول القدّيس بولس، يدخل إلى قلوبنا بواسطة السَّمَع. ففي حاسّة السّمع شيء يلمس أعماقًا في الإنسان لا تطالها الحواسُّ الأخرى. فثقافاتنا كلّها مرَّت بمرحلة "سماعيّة" كانت تصادف شهادات أساسيّة في الإنسانيّة وفي تواصل الله مع البشريّة. هذا الأمر لا يزال صحيحًا، إذ نرى جماعات من النّاس يجتمعون ليستمعوا إلى قداسة البابا، يسمعون كلماته ويلتمسون من خلالها شيئًا من تجلّي الله.

ومع ذلك، فإنّ الذين بلغوا من بيننا عمرًا معيّنًا، أو كانت لديهم نعمة الاتّصالات الطويلة والعميقة مع آسيا الشّرقيّة، قد اختبروا قوّة "النّظر" في البحث عن حياة وعن حقيقة أكثر عمقًا. يجد الجيل الحاليّ الكثير من الأشخاص المتعبين والخائبين بسبب كلمات فارغة، ووعود كاذبة، وعِظات قاتلة حزينة، كلمات وكلمات وكلمات ليست، حسب مار بولس أيضًا، سوى نحاس يطنّ أو صنج يرنّ. الناس اليوم يريدون أن "يروا" ما "يسمعون". يريدون أن يروا "كلمات حيّة". الواعظ والنّبيّ مُراقَبان بدقّة. لهذا السّبب نرى اليوم الأهمّيّة الكبرى للشهادة الحيّة الصادرة عن حياة علمانيّة ملتزمة، وعن أزواج عملوا خلال سنوات، على تحويل الصعوبات والاختلافات والخلافات، إلى شهادات حبّ أكبر وأمانة مسيحيّة وأمل خَلاّق. فالعين أصبحت رفيقًا ملازمًا للأذن، لا تفترق عنها.

هل يمكننا، كجماعة، أن نعيش دعوة نَبَويَّة؟

 مهما كان التحليل حول التغيير الحديث ودوافعه وتطوّره، فإنّ عندنا وَعياً جديداً  وواقعاً جديداً. شعرنا أنّنا مثبّتون في هذا الأمر، أنّ الله يريدنا أن نكون "جماعة رسوليّة تشارك في الرّسالة داخل الكنيسة". لكنّ هذه الرّسالة، في تّقليد الكتاب المقدّس وتقليد الكنيسة، يجب أن تكون رسالة نَبَويّة، نقوم بها ونتمّمها باسم الله وتحت رعايته. ويمكننا أن نسأل أنفسنا بجدّيّة: "هل يمكننا أن نكون حقيقةً نبويّين؟" لقد حاول العديد من الكُتّاب الرّوحيّين، منذ زمن غير بعيد، أن يكتبوا كُتُبًا ومقالات، والسّؤال الكبير فيها كان: "أين هم الأنبياء؟" هذا السّؤال مهمّ خاصّةً عندما نتوجّه إلى جماعة. هل الجماعة ــ كمؤسّسة ــ يمكن أن تسمح لنفسها بأن تكون نبويّة؟

ومن الممكن أن يكون الجواب موجودًا هنا، بيننا، بينكم. لقد اخترتم من بين الجُمَل الأساسيّة لهذه الجمعيّة هذه الجملة: "رجع الرُّسُل إلى يسوع وأخبروه بجميع ما عملوا وعَلَّموا" (مرقس 6/30).

وطبعًا، ليس الجميع أنبياء. ربّما البعض في ما بينكم. أو، على الأقلّ، أحيانًا، في بعض الأوقات... ليس دائمًا... ليس على جميع الجبهات...

ولكن ربّما ــ وهذا هو الأهمّ ــ هذ ا هو زمن الجماعات النّبويّة... وأشعر أنّكم تتقدّمون بثبات في هذا الاتّجاه.

وإن كان الأمر كذلك، فيمكننا أن نقول من جديد إنّ القدّيس إغناطيوس هو المعلّم الذي نحتاج إليه في هذا الوقت. لنفكّر في بعض النّقاط حول هذا السّؤال: ما الذي يصنع أو يحدّد النّبيّ؟  ماذا يقول الكتاب المقدّس عن الأنبياء؟

النّبيّ يرى العالم بعيون الله. لقد شاهدنا وتأمّلنا التّجسّد. "الأقانيم الإلهيّة الثلاثة..." (هذه المرّة أنا في الصفحة الصحيحة!) إغناطيوس ليس خجولاً أبدًا عندما يتأمّل العالم...

النّبيّ يسمع بأذنَي الله. الله يسمع الصّوت، الصراخ، النداء المتألّم، شكاوى الشّعب. الله يسمع شعبه عندما يطلب العدالة، عندما يتألّم من الحزن، من الوَحدة ومن الظُّلم...

النّبيّ يشعر بقلب الله. نرى كم أنّ يسوع يظطرب وتتحرّك أحشاؤه، كيف يتأثّر في أعماق نفسه... ونقرأ الشيء ذاته عن الله في العهد القديم... يبكي ويتألّم لآلام  شعبه (ويمكننا هنا أن نستعين بألفاظ الكتاب المقدّس نفسها) "ابنتي"، "شعبي"، "حبيبتي"، "عائلتي"... الله قريب، يشعر بالتأثّر وبالوَحدة مع شعبه المسكين. مشاركتهم في آلامهم هي جوابه الأوّل.

النّبيّ يلفظ كلمة الله. ونعرف أنّها كلمة رحمة وشفقة للّذين يتألّمون... وكلمة ارتداد ومساندة للّذين يستطيعون مواجهة الألم. (نترك لمرّة أخرى التحليل العميق لهذه الكلمة التي ليست فقط لفظةً تخرج من الفم، إنّما هي كلمة حيّة تلمس الواقع وتغيّره).

الطريقة الإغناطيّة والرّوح القدس

منذ أقلّ من شهر، شاهدنا خبرة الأيّام العالميّة للشّبيبة في سيدني في أستراليا. 250000 شابّ وشابّة من جميع أنحاء العالم. وبمعنى ما، فإنّ شيئًا موازيًا لهذا التّجمّع يحصل هنا.

في قلب هذا التّجمّع، تكلّم الأب الأقدس عن الرّوح القدس. شعر بحاجة الناس إلى تعليم عن الرّوح القدس.

هذا هو موضوعنا أيضًا. لم يعرف إغناطيوس لاهوتًا عن الرّوح القدس، لأنّ اللاّهوت الكاثوليكيّ في زمنه كان يتبع خطوطًا أخرى وتفكيرًا آخَر.

لكنّ إغناطيوس اختبر الروح القدس والطريقة التي تساعدنا على عَيش نفس الخبرة الحيّة. إنّ روحانيّة الرّياضات الرّوحيّة هي تعبير عمليّ وملموس لهذا اللاّهوت الذي كان ناقصًا (ناقصًا في التّعليم، ولكن مُعاش ومُطَبَّق).

إنّ طريقة الرّياضات التي بها نغذّي قلوبنا، تحضّر الشخص (أو النّفس، كما يقول إغناطيوس) لكي يقترب من يسوع ويعمل ما كان يعمله:

تُهيّئنا لنرى كما يرى النّبيّ.                 

تهيّئنا لنسمع ما يسمعه الرّب من المساكين والمتألّمين.                 

تجعلنا نشعر ما يشعر به المسيح والله من خلال الواقع، من الخير ومن الشّرّ.                 

تعلّمنا كيف نميّز،  في واقع إنسانيّ وتاريخيّ، وسط العديد من العواطف القويّة.                 

تساندنا عندما نصل إلى القرارات المتعلّقة بطريقة جوابنا ومساهمتنا لهذا الواقع الذي أصبحنا ننتمي إليه.                 

تدفعنا إلى التّحرّك والعمل حسب تحرّكات الرّوح فينا.                

وتفتح شفاهنا لكي نُعلِن ما يجري.                

                                نقول له ما عملناه وعلّمناه،

                                ونعلن للنّاس نعومة وطيبة الرّبّ.

التّحدّي لتطبيق هذه الأمور في الجماعة وكجماعة

 كنّا نتساءل منذ لحظة إن كان ممكنًا أن نكون نبويّين في جماعة.

لا يوجد جواب نَظَريّ. لا يوجد سوى جواب عَمَليّ. الأمر ممكن إذا وعندما... إسمحوا لي أن أقول بضع كلمات عن "إذا وعندما". ولكن أوّلاً، إسمحوا لي أن أذكّركم أنّكم اخترتم أن تصبحوا جماعة نبويّة، رسوليّة، كجماعة. التّحدّي إذًا ليس نَظَريًّا، بل عمليًّا: كيف نصبح جماعة رسوليّة حيّة؟ ربّما قد يساعدكم هذا التّفكير البسيط عن الحياة النبويّة:

لكي نكون نبويّين، علينا أن نكون كلّنا أشخاصًا يُصغون. يصغون إلى الأشخاص، يصغون إلى كلمة الله، يصغون إلى تحرّكات الرّوح النّاعمة. لقد أعطانا القدّيس إغناطيوس تعليمات عديدة لكي نتمكّن من معرفة متى يصبح هذا الإصغاء الثّلاثيّ واحدًا. لأنّه، عندما يصبح واحدًا، نتبدّل ونصبح مشتعلين من الفرح والرّجاء والتّعزية... كتب القدّيس توما الأكوينيّ أنّه يوجد كلمتان في خبرة الإيمان: الكلمة الخارجيّة التي يعطينا إيّاها الكتاب المقدّس، والكلمة الداخليّة التي يضعها الرّوح القدس في قلوبنا. عندما تجتمع هاتان الكلمتان، نبلغ درجة اتّحاد عميقة جدًّا مع الرّبّ. ولكن، لكي تصبح هذه الخبرة جماعيّة، علينا أن نكون كلّنا مُصغين...

لكي نكون نبويّين، علينا أن نكون كلّنا في بحثٍ مستمرّ. لا يوجد نبيّ بدون تمييز. القرارات السّريعة ليست سوى تعبيرًا عن نبويّة خاطئة. كان إغناطيوس مقتنعًا جدًا من هذا الأمر. لذلك كان دائمًا مستعدًّا لفحص استنتاجاته ومراجعتها، خوفًا من أن يكون قد أهمل شعورًا أو تحرّكًا للرّوح. الجماعة الرسوليّة والنّبويّة هي جماعة مؤمنين متواضعين جدًّا، وفي بَحثٍ مستمرّ.

هذا يعني أنّ الجماعة النّبويّة تعيش في ضغط سليم، ضغط الحاجة إلى التّلقّي، لأنّ عطيّة الرّوح ــ كما قال البابا بندكتوس السادس عشرــ لا نبلغها أبدًا، بل نستقبلها دائمًا بفعل شكرٍ متواضع. يمكنكم أن تروا كم أنّ هذا بعيد عن أيّ شكل من أشكال التأسيسيّة الروحيّة. إنّ أمننا متوازٍ مع تواضعنا؛ ليس مبنيًّا على امتلاكات بل على وعي دائم للعيش في رحمة الله ومحبّته، وهنا عطيّة العطايا. يوجد أيضًا ضغط بين التمييز والبحث والقرار. يمكن أن نرى هذه الأمور مضادّة لبعضها البعض. كيف يمكننا أن نكون أُناسًا متواضعين وأشخاص قرار بنفس الوقت؟ هذا هو بالضّبط موضوع التّمييز، لأنّ الرّوح، عندما يأتي إلى جماعتنا، تختفي مخاوفنا ونعرف ما يريده الله منّا.

إذًا، إن كان هذا هو الرّوح الذي نميّز فيه ونقرّر كجماعة، فمن الواضح أنّ العبارة المُبتَكرة حديثًا "رجال ونساء مع الآخَرين" ليست شيئًا مُضافًا على عبارة الأب أروبّي التقليديّة "رجال ونساء من أجل الآخَرين". بالعكس، يمكنها أن تكون جذريّة أكثر لجماعة الحياة المسيحيّة التي اختارت أن تكون جماعة رسوليّة.

المطلوب من كلّ الأعضاء أن تكون لديهم عيون ليرَوا. أتعلمون أيضًا أنّكم أنتم العلمانيّين، ترَون غالبَا ما لا يراه أو لا يستطيع أن يراه الكهنة.

المطلوب من كلّ الأعضاء أن يسمعوا... ما لا يسمعه الكهنة والإكليروس غالبًا. من الغريب والمدهش كيف أنّ الأُذُن يمكنها أن تتأثّر بالثقافة. من يمكنه أن يسمع صوت قطعة نقود تقع في شارع يمرّ فيه الناس دائمًا؟ أو هل يمكنكم سماع اسمكم مهموسًا على مسافة عشرة أمتار؟ حاسّة السّمع هي عمليّة مُمّيَّز بشأنها.

المطلوب من الجميع أن يشعروا بآلام وعذابات الآخَرين. الأسبوع الثالث من الرياضات الرّوحيّة يُدرّبنا على الشعور بآلام يسوع والآخَرين.

المطلوب من الجميع أن يميّزوا ويقرّروا، ويستعملوا أيديَهم وأرجُلَهم للعمل، للخدمة وللشّعور مع الآخَرين.

من الممكن أن نكون جماعة نَبَويّة من أجل رسالة مشترَكَة إذا تجرّأنا وقَبِلنا التّحدّي وجاوبنا بالطّريقة الإغناطيّة على إرادة الله.

أولى الاهتمامات هي التنشئة للجميع

 جميع الملاحظات والأفكار السّابقة تقودني إلى نهاية حتميّة وهي أن أولويّتنا الأكبر كجماعة حياة مسيحيّة يجب أن تكون تنشئة أعضائنا. إنّها أولويّة الأولويّات.

في هذه الأسابيع الأخيرة، زُرتُ بعضَ الكرادلة من مختلف جمعيّات الفاتيكان. (هذا من ضمن عملي على ما أعتقد). لمّا التقيتُ بالكاردينال "ريلكو"، المسؤول عن جمعيّة العلمانيّين، أخبرني كم هو مسرور من جماعة الحياة المسيحيّة؛ وشدّد مِرارًا قائلاً: "بسبب التنشئة الجدّيّة التي يُعطونها لجميع أعضائهم".

تَذكُرون كيف أنّ القدّيس إغناطيوس لم يكن يَظُنّ أنّ كلّ الأشخاص يمكنهم أن يستفيدوا من الرّياضات الرّوحيّة بنفس الطّريقة. لم يكن يفضَل مَن هم أفضل من غيرهم، لكنّه كان يعرف أنّه يلزم قدرة أساسيّة، وانفتاح الروح والقلب الذي يُهيّئ الشخص ليكون حسّاسًا ومستعدًّا للّقاء مع الله ولسماع نصائح الرّوح. يجب أن تُعطى تربية حقيقيّة بهذا الشّأن، من خلال قدرة فَتح نفوس الأشخاص على وقائع أكبر وأعمق.

والحقل الأساسيّ لتعاوننا موجود في هذا المجال. نحن اليسوعيّين مسرورون جدًّا لرؤيتنا أنّ عطايا إغناطيوس تَخُصُّكم،  أنّها تمتدّ وتتخطّى دائرة اليسوعيّين. ما صنعه إغناطيوس هو في خدمة الإنجيل الذي ليس مُلكًا لأحد. ونحن نفرح لرؤية عطايا إغناطيوس تصبح إرثًا مشترَكًا لخير الكنيسة والعالم.

يجب أن نعمل معًا من أجل تنشئة عميقة. تنشئة تضمّ بالطّبع: اللاّهوت وعِلم النّفس وعِلم الإنسان... كلّ ما يساعد النّاس على النّموّ كأشخاص مؤمنين ومُحبّين.

ولكن، يجب أن تكون التنشئة أوّلاً في الحياة بالرّوح، لكي نتمكّن كلّنا من:

 امتلاك الوسائل التي تجعلنا أحرارًا داخليًّا،

تمييز إرادة الله،

الاعتياد بطواعية وفرح على طُرُق عمل الرّوح.

أتمنّى حقيقةً أن نستطيع العمل معًا على هذه الأولويّة المهمّة.

أتمنّى أيضًا أن تساعدوا، أنتم أعضاء جماعة الحياة المسيحيّة، اليسوعيّين، على تعميق روحانيّتهم أكثر.

تذكّروا أنّنا لسنا سوى جزء، جزء صغير جدًا من جسد المسيح، من شعب الله، من الكنيسة التي هي للجميع. وسيكون دائمًا مفرحًا أن نكون في خدمة الجميع.

الختام

أعبّر لكم عن شكري على هذه الدّعوة، وعلى كلّ أشكال التّعاون بيننا في المستقبل. مهمّتنا كبيرة، ولكن بالأخصّ، هي عميقة، مهمّة نرجو فيها وبواسطتها، أن نبني بعضنا في البعض الآخَر، جسد المسيح، ونتشارك فيما بيننا جميع نصائح وإلهامات الرّوح القدس. هذا الأمر ننتظره بفارغ الصّبر ونشكر الرّبّ عليه.

 

عن كلمة للأب أدولفو نيكولاس، الرّئيس العامّ للرّهبانيّة اليسوعيّة، والمساعد الكنسيّ العالميّ لجماعة الحياة المسيحيّة