تربية السلام كمدخل إلى حضارة أقل عنفاً

 

بقلم ياسمين الرفاعي

 

عمت مصر وكثير من دول العالم ظاهرة لجوء بعض الأطفال والشباب وخاصة الذكور منهم إلى العنف عند ظهور نزاعات بينهم ويشهد على ذلك عدد الخناقات التي نسمع عنها ونراها في المدارس والشوارع والنوادي، ويجد الشباب - المسالمون منهم أيضاً - أنفسهم مجبرين على المشاركة في هذه الصراعات في بعض الأحيان وإلا اتهموا بالضعف أو النذالة.  وسواء نشأ النزاع لأسباب تافهة ومختلقة بهدف استعراض القوة أو نشأ كحل لمشكلة ما أو دفاعاً عن حق أو شرف، نجد في الحالتين أن الشباب الذين يشتركون في تلك الخناقات العنيفة يرونها وسيلة مقبولة ومشروعة لإثبات ذاتهم.    

ودعونا نخرج من إطار الخناقات وغيرها من أشكال العنف الجسدي  - وهو المفهوم الشائع للعنف - وننظر للأشكال الأكثر تخفياً أو العنف بمعناه الشامل، والذي يضم إلى جانب العنف الجسدي (كالضرب والقتل ...)  كل من العنف النفسي (التهديد والتخويف، السيطرة على إرادة الأشخاص...) والعنف الثقافي الذي تبجله الثقافة (كالثأر، ...) والعنف البنيوي (كالطبقية أو التمييز). ولا يسعنا سوى الاعتراف بتفشي العديد من أشكال العنف في مجتمعنا حتى أنه أصبح متغلغلاً في النسيج الثقافي، لم نعد نستنكره بل بالعكس نبرره.  وأذكر كأمثلة على ذلك من التقاليد الثأر وختان الإناث ومن الموروثات الثقافية مفهوم الرجولة وما يعطيه للرجل من حقوق على حساب المرأة وما يترتب عليه من عدم مساواة بين الزوج والزوجة أو بين الأخ والأخت، أذكر أيضاً في البنية المجتمعية الفقر الشديد وما يقابله من غنى فاحش والتمييز بين فئات المجتمع المختلفة، و من السلوكيات توقف احترام القوانين على وجدود نظم رقابة قائمة على التهديد والتخويف سواء في الحياة العامة أو في العمل أو في المدرسة.  حتى العنف الجسدي مبرر في بعض الأحيان، في التربية مثلا أو لرد شرف أو للأخذ بحق.  وأشكال العنف هذه منتشرة بين جميع فئات المجتمع ولا تخص فقط الشباب أو الفقراء أو المجرمين. إذاً فإننا نشير هنا إلى سيادة ثقافة معينة في مجتمعنا تبجل أو على الأقل تبرر العنف في بعض المواضع، وهو ما يسمى بثقافة العنف.  

ومما لا شك فيه أن للتربية دوراً أساسياً في إرساء الثقافة ونقلها من جيل لآخر. فمن خلال أمور بسيطة كصورة البطل التي نعطيها لأطفالنا أو مفهوم القوة أو الشجاعة الذي ننقله لهم، نعلم الطفل أن العنف قد يكون مقبولاً وقد يشكل الحل لمشكلة ما.  وهنا يبرز السؤال الأساسي وهو كيف يمكن للتربية تقويم الأوجه العنيفة من الثقافة والحد من شرعية اللجوء إلى العنف لمواجهة المنازعات؟  وهذا هو دور تربية السلام.  

إن للسلام مفاهيم متعددة تصطبغ بصبغات شخصية واجتماعية وسياسية، نذكر منها على سبيل المثال السلام بمعنى  غياب الحروب أو السلام الداخلي أو السلام مع البيئة  أو العدل الاجتماعي... إلخ.  وتتباين تعريفات تربية السلام بحسب مفاهيم السلام المرتبطة بها، فقد تعني تربية السلام تمكين الإنسان من تفادي الحروب أو للوصول للسلام الداخلي، وقد تتضمن تعليم حقوق الإنسان كشرط من شروط السلام...إلخ.  ويتناول هذا المقال مفهوم  السلام بمعنى محدود وهو ترك العنف في مواجهة النزاعات وعليه ستكون تربية السلام هي الهادفة إلى تزويد الشخص بالمعرفة والمهارات والقيم التي تمكنه من مواجهة النزاعات وحلها بشكل لا عنفي.

 

1-       المعرفة  

تعني تربية السلام بالحد من الخيار العنفي في مواجهة النزاعات عن طريق نقل المعرفة اللازمة للخروج من حلقة ثقافة العنف المفرغة.  ويبدأ ذلك بفهم أسباب العنف وديناميكيته فيكون دور التربية رفع درجة وعي أعضاء المجتمع بمظاهر العنف والقهر التي يرتكبونها ويقعون ضحاياها في نفس الوقت. وتهدف التربية إلى تمكين الأفراد من تحليل أسباب العنف وتقييم نتائجه، والبحث عن الحلول البديلة ومناقشة دور كل فرد في استمرار تلك السلوكيات العنفية.   

وتعني تربية السلام بزيادة المعرفة بالحلول البديلة للعنف. نلاحظ أن التاريخ يتذكر ويمجد الأحداث والانتصارات والأبطال العنفيين بسهولة أكثر من تمجيده الانتصارات والأبطال اللاعنفيين الذي يزخر بهم التاريخ وخاصة تاريخ القرن العشرين. وللأسف يفتقر المواطن المصري إلى الثقافة اللاعنفية وتنقصه معرفة الحلول اللاعنفية التي اخترعتها الشعوب من أجل الحصول على حقوقها. ربما يعلم كل طالب مدرسي من هو نابليون أو هتلر ولكن أكثرهم لا يعرفون  من غاندي أو مارتن لوثر كنج.

وتعنى تربية السلام أيضا بالتعريف بالآخر حيث أن الجهل بالآخر يؤدي إلى خوف والخوف يولد سلوكاً دفاعياً، ومن الشائع أن الهجوم خير وسيلة للدفاع. والهجوم قد يتخذ أشكالاً عدة ليست بالضرورة جسدية ولكن أيضا معنوية كتداول الإشاعات والتمييز والتقليل من شأن الآخر أو الإعلاء من شأن الذات كما يحدث أحيانا في مصر بين أتباع الديانات أو الطبقات المختلفة.

وكما تساعد تربية السلام على مواجهة ثقافة العنف السائدة على المستوى المحلي، فهي أيضا حركة عالمية تتطلع إلى مواجهة ظواهر العنف الدولي بالتربية. فإذا استطعنا بالتربية تكوين إنسان يرفض العنف كخيار في مواجهة نزاعاته الشخصية والداخلية، وإنسان ملم بالآخر أو على الأقل مستعد للتعرف عليه، فلا بد أن يكون لذلك تأثير إيجابي على العلاقات بين الدول حيث ترفض الشعوب اللجوء للحروب كوسيلة مشروعة لحل المشاكل الدولية. 

 

2-      المهارات  

ليس الحل السلمي للمنازعات بالأمر الصعب إلا أنه يتطلب توافر بعض المهارات، وللأسف نلاحظ أنه من الصعب اكتساب تلك المهارات في ظل النظام التربوي والتعليمي في مصر.

نشير أولاً إلى أن وجود نزاع ليس في حد ذاته بالأمر السلبي بل على العكس، فالنزاع ما هو إلا إشارة  إلى وجود احتياجات غير مشبعة عند الأشخاص. فعندما يتعارض احتياج شخص مع احتياج الآخر على الأقل ظاهرياً يحدث النزاع، والحل السلمي للنزاع يبدأ بالتعرف على احتياجات كل الأطراف من جميع الجوانب والاعتراف بها ويأتي ذلك قبل الشروع في إيجاد الحل.

ونشير فيما يلي إلى دور التربية في مصر في تكوين رد فعل الشخص في النزاع:

-           رؤية النزاع بشكل إيجابي: ما هي خبرة النزاع التي يكتسبها الطفل في نموه؟ إذا كان النزاع مع الأهل، فغالباً ما ينتهي بما يرضي الطرف الأقوى (الأهل) على حساب الطرف الأضعف، وكذلك في المدرسة، وفي البيت غالباً ما "ينتصر" الزوج على الزوجة والأخ على الأخت، وبين الأصدقاء يكون لقوي الشخصية الكلمة الأخيرة.  ويؤدي ذلك إلي تكوين فكرة سلبية عن النزاع عند الطفل حيث لا يكون فرصة لإشباع الاحتياجات بل مأزقاً مؤلماً ينتهي بـ "انتصار" الطرف الأقوى على حساب الطرف الأضعف.  ومما لا شك فيه أن الطرف الضعيف حين يصل إلى مركز قوة فإنه يضاهي السلوك نفسه الذي تعلمه.  ويكون دورنا كمربين إعطاء الطفل فرصة تكوين خبرة إيجابية تمكنه فيما بعد من التعامل مع النزاع بشكل بناء له ولمن حوله.

-           الحوار: لقد أشرنا إلى ضرورة التعرف على الاحتياجات والاعتراف بها من أجل الوصول لحل يشبعها جميعاً أو أكثرها، ويتم ذلك من خلال تحاور الأطراف، فالحوار فقط يمكن الأطراف من فهم أصل النزاع والوصول إلى حل حقيقي.  وفي نظام تربوي يقوم على طاعة السلطة وعدم وجود مساحة للمناقشة ، يفتقد الطفل مهارة الحوار والقدرة على المناقشة، وما يتطلبه ذلك من مهارات التعبير والاستماع وهي أساس الحل السلمي للمنازعات.   

-           الإبداع: النزاع هو تناقض بين احتياجات مختلفة، وإذا كان "قانون الأقوى" يتيح حلاً سريعاً للنزاع، فإن إذابة التناقض بطريقة سلمية عادة ما يتطلب قدراً كبيراً من الإبداع والبحث عن حلول غير تقليدية وغير مألوفة. وللأسف فإن النظام التربوي التعليمي القائم لا يتيح فرصة نمو هذه المهارة بشكل كافٍ.  

 

3-      القيم

يمكن اعتبار الخروج للشارع في القاهرة اليوم من أكثر الأنشطة إهانة للإنسان نظراً لاحتمالات تعرضه للسب الصريح أو للسب الكودي (البوق) أو للتحرش الجنسي أو حتى لمجرد التجاهل التام من قبل الأشخاص الذين حوله. وأصبحت تلك الإهانات عادية ومتوقعة تكاد تكون جزءاً من الفولكلور.  ويمكن تصنيف الإهانة كعنف نفسي ومعنوي شديد، موجه ضد كرامة الإنسان. 

ما تفسير هذه الظاهرة؟  إن المشكلة تكمن في عدم احترام كرامة  الإنسان وقيمته.  فإذا لم يتربَ الشخص على احترام ذاته وتقديرها واحترام الآخرين وتقديرهم، يفقد القيمة الأساسية المتمثلة في احترام الكرامة الإنسانية التي تعتبر أساس جميع حقوق الإنسان. ومع فقدان هذه القيمة في المجتمع، يصبح الإنسان رخيصاً، ويصبح إيذاءه وتعنيفه مباحاً، ويصبح نشوء أي نزاع مبرراً كافياً للتعرض للآخر بل وللإطاحة به.

وتنطوي قيمة الكرامة الإنسانية على قيم أساسية أخرى لتحقيق السلام وهي قيمتي التسامح وقبول الآخر.  فكما أشرنا من قبل، كثيرا ما ينتج رفض الآخر عن رد فعل دفاعي بسبب الجهل به والخوف منه وهو ما يمكن معالجته بالمعرفة.  ولكن يوجد سبب آخر لهذا الرفض وهو الرؤية أحادية البعد للعالم.  فنتيجة للتربية التي تركز على الصواب والخطأ، يرى الإنسان العالم بلونين أبيض وأسود، ويصنف كل ما به إما صواب وإما خطأ. ويساعد على ذلك كل من محتوى المناهج الدراسية  وأسلوب التعليم والامتحانات الذي لا يعترف بالآراء الشخصية للطالب،  وبالأسلوب التربوي أيضاً الذي لا يترك مساحة لحرية الطفل لتكوين آراء أو الاختلاف فيها... وبالتالي ينشأ المجتمع على فكر واحد أحادي ويصبح "المختلف" في مكانة "الخطأ".  وينطبق ذلك على عدة مستويات سواء مستوى الاختلافات الشخصية في المجتمع الواحد أو على مستوى اختلاف المجتمعات، وينطبق أيضاً على الطرف الآخر في النزاع.  ونتيجة لهذه الرؤية الأحادية يفتقد الشخص الثقة الكافية لقبول الرأي الآخر ويعتبره تهديداً لصواب موقفه، فتكرس كل من الأطراف المتنازعة جهودها من أجل إثبات موقفها بدلاً من الاستماع للآخر واحتياجاته للبحث عن حلول مُرضية للجميع.

وعليه تظهر أهمية ما تعني به تربية السلام من حيث تربية الأطفال على قبول الاختلاف عن طريق التعريف به والحث على احترامه وتقدير قيمة التكامل.

 

وفي النهاية، نعيد التذكير بالأهداف القريبة والبعيدة المدى لتربية السلام.  فالهدف القريب المدى هو تكوين إنسان بنّاء وإيجابي للمجتمع وللإنسانية، ينبذ العنف والظلم في حياته الخاصة والعامة وفي مواقفه السياسية.  أما الهدف البعيد المدى فهو استبدال ثقافة العنف السائدة بثقافة سلام تصون وتحافظ على قيمة الإنسان وكرامته، وتدين كل ما يمس هذه القيمة من ظلم وعنف.

ونختم بنداء لجميع القائمين على التربية من أولياء أمور ومربين ومدرسين ومنشطين: إن المسؤولية عن العنف والظلم والحرب لا تقع على عاتق السياسيين والعسكريين فحسب، بل تقع ايضاً على كل من يربي إنسان على ارتكاب أو تقبل العنف بكل درجاته بدءاً بالسب والإهانة ووصولاً للحروب والإبادات الجماعية.  لذا ندعوكم لمشاركتنا في مسيرة نمو جماعية من أجل علاقات أقل عنفاً وأكثر إنسانيةً لنا ولأطفالنا.

 

للمزيد من التعمق ...

ظهرت في الفترة الأخيرة العديد من الحركات والحملات العالمية التي تنادي بثقافة السلام وتربية السلام كما ظهرت عدة مؤسسات تعني بتوفير موارد لمساعدة المدرسين. وإليكم بعض الموارد المفيدة:  

-           موقع " نداء لاهاي للسلام" وهي منسق الحملة العالمية لتعليم السلام والتي بدأت سنة 1999وتهدف إلى إدخال تربية السلام في المناهج الدراسية، وبالموقع بعض الموارد العملية والأنشطة  https://thehaguepeace.org/

-           موقع اليونسكو الخاص بمشروع ثقافة السلام https://en.unesco.org/themes/building-peace-programmes

-           موقع الأمم المتحدة للتلاميذ به موارد عملية وأنشطة للطلاب والمدرسين 

-           موقع جامعة السلام ببلجيكا لديهم العديد من المطبوعات عن تربية السلام والتواصل اللاعنفي:  www.universitedepaix.org

-           موقع " قيم الحياة" : مشروع عالمي للتربية على القيم وبه العديد من الأنشطة

http://livingvalues.net/

 -           ملف اليونسكو بالغة العربية: قيم الحياة: الحق في الاختلاف (توزيع اليونسكو بالقاهرة)

-           مشروع " مصريتي" بجمعية نهضة المحروسة بالقاهرة: برنامج أنشطة عن ثقافة السلام:

/https://misriyati.weebly.com

 

 

المصادر:

-           Galtung, Jacobsen Carl G and Brand-Jacobsen Kai (2002). Searching for peace: the road to transcend. London: Pluto press

-           El Rifai Y. (2002). L’éducation à la paix pour la construction d’une paix positive au moyen – orient. M.A thesis, University of Antwerp, 2002.

https://en.wikipedia.org/wiki/Seville_Statement_on_Violence

 

كيف تربي أطفالك على السلام؟

1-       ابدأ بإعطاء أطفالك خبرة إيجابية عن النزاع وذلك بأن:

-           تراعي وتحترم احتياجات جميع أطراف النزاع (مع ملاحظة الفرق بين الاحتياجات والرغبات!)

-           تدخل في حوار ومناقشة مع أطراف المشكلة من أجل الوصول لحلول بدلاً من تنفيذ رأيك وحدك 

-           تترك المساحة لأطفالك وتبحث معهم عن حلول جديدة وغير مألوفة للمشاكل أو النزاعات

2-       أعطي لأطفالك فرصة تكوين خبرة حياة لاعنفية

-           استبدل بسلطتك الأبوية أو المدرسية القائمة على الترهيب والتخويف سلطةً قائمة على الاحترام والتقدير المتبادل

-           امتنع عن الضرب والإهانة كسبل للتربية

-           كن جاداً في رفض جميع مظاهر العنف في سلوك أطفالك

-           تجنب شراء ألعاب عنفية كالمسدسات وألعاب الكمبيوتر  والفيديو  شديدة العنف وكذلك تجنب مشاهدتهم لأفلام العنف

-           امتنع عن سب أو إساءة لأشخاص آخرين في حضور طفلك ولا يعني ذلك كتم المشاعر ولكن يعني إيجاد طرق للتعبير عن الغضب لا تكون عنيفة ومسيئة لكرامة أي شخص

3-       ساعد طفلك على بناء معرفة وثقافة لاعنفية

-           تعرف وعرف طفلك بالتجارب والشخصيات اللاعنفية العالمية

-           انتهز فرصة سؤال أو حدث لتعريف طفلك بالآخر وبالثقافات المختلفة

-           ابحث في دينك عن مظاهر السلام واللاعنف وانقلها لأطفالك

 

 

ما هي فلسفة تربية السلام؟

"لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام"

الميثاق التأسيسي لليونسكو

 

تؤكد النظرية السائدة أن العنف والحرب شر متأصل في الطبيعة البشرية ليس للإنسان مفر منه. وأوحت هذه الفلسفة بالاستراتيجيات الدفاعية والأمنية الحالية القائمة على الأسلحة والجيوش ونظم الردع. إلا أن الحروب المختلفة في القرن العشرين ومنها الحرب العالمية الثانية ببشاعتها أثبتت فشل جميع وسائل الدفاع التي اعتمد عليها العالم لكبت الشر.  وأدى ذلك إلى ظهور نظرة تفسيرية جديدة لظاهرة الحرب  تتلخص في أن جذور الحروب ليست متأصلة في الطبيعة البشرية ولكن في ثقافة العنف السائدة التي تبجل أو على الأقل تبرر اللجوء للعنف. وتفتح هذه النظرة أبواباً جديدة لمواجهة ظواهر العنف والحروب حيث أن الثقافة في طبيعتها حية ومتغيرة ومتطورة حسب معطيات واحتياجات الزمن – على عكس الطبيعة البشرية الثابتة.

وأدى الوعي بأهمية العامل الثقافي في بناء السلام - في مقابل العامل السياسي - إلى الاعتراف بالدور الأساسي للتربية في عملية بناء السلام. وأصبحت عملية بناء السلام في العالم تخص الجميع وليس فقط السياسيين والعسكريين، بل على العكس، يظهر الدور الأولي الذي يلعبه المربون على المدى الطويل في هذه العملية.  وهكذا ينادي برنامج  العمل الخاص بالأمم المتحدة من أجل ثقافة السلام بأن " يتم تدعيم ثقافة السلام من خلال التربية ومراجعة البرامج التعليمية من أجل تشجيع القيم والتصرفات وأساليب الحياة المتمشية مع ثقافة السلام مثل الحل السلمي للمنازعات والحوار والبحث عن الإجماع واللا عنف."