أتظنون

أتظنون....

بقلم أماني فوزي

 

أشاهد وأتابع كل ما يحدث في مصر، شاشة أغلب القنوات مُقسمة إلى مناطق مختلفة، وفي الاستوديو تغطية لما تعرضت له الفتيات من تحرش واعتداءات في التحرير وفي مناطق أخرى...

أتابع الألم والضرب وقنابل الغاز، أتابع ألم من ينقلون الأخبار، وألم من لا يتابعون ويقولون أي شيء... ألم من يتكلم ومن لا يستطيع أن يُعبر عن ألمه... وما زلت أبحث عن إجابات.

سؤالنا المعتاد: أين انت يا رب؟ لماذا لا تتدخل وتبعد الظلم عن المظلومين.

أجد إجابات كثيرة في أناس كثيرين.


أجد كنائس تشهد لك يا رب وتفتح أبوابها لتضم بمحبة فائقة المكلومين والمصابين.


 

 

أجد أشخاصًا، كلي ثقة أنهم يعرفون حقك يا رب، أجدهم لا ينامون الليل، تخلوا عن راحتهم وحياتهم الشخصية، تركوها بلا ندم، سعيًا وراء نصرة مظلوم، سعيًا وراء مساعدة عائلة تبحث عن ابنها، أو فقير سُجِن ظلمًا.

نعم، أرى يسوع في كل هؤلاء، أرى يسوع في كل العاملين لحماية الفتيات في الشوارع، كل من يُعرض حياته للخطر.

لقد اختار هؤلاء ألا يختاروا حياتهم، لقد اختاروا الحق. يؤمن هؤلاء بأن الحق هو الحياة.

أتابعهم كل يوم وهم يجرون هنا وهناك، يتبعون المقهورين والمظلومين ومن لا سند لهم لينزعوهم من وسط الظلم،

أتأمل من يسيرون في الشوارع يحملون ملابس ويرتدون زيًا خاصًا، يعرضون حياتهم للخطر لإنقاذ فتاة من براثن متحرش.

هناك من قرر أن يفصل نفسه عن المجتمع ليحمي نفسه ويرى من بعيد بتشاؤم أو بعدم اكتراث ما يحدث، وهناك من قرر أنه لابد من الدفاع عن الحق،

 

·          مرة اخرى اجدني أعود للنص نفسه الذي تناولته في مقالي السابق:

·          وكَانَ حَاضِراً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِيلاَطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ.

·          فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمْ: «أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلاَءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هَذَا؟

·          كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ. بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ.

·          أَوْ أُولَئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَهُمْ أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟

·          كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ! بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ».

 

ولكنني هذه المرة أتوقف عند "أتظنون؟"

يعلم يسوع ما بذهن هؤلاء، كما يعلم جيدًا ما بذهن كل منا الآن.

يعلم أنهم ربما رأوا أنفسهم أفضل من هؤلاء وجاؤا رغبة في سماع من يؤكد لهم أفكارهم، "بالطبع لن يحدث لكم أنتم هذا لأنكم أفضل، لأن الحوادث البشعة تحدث فقط لغير المؤمنين أو الخطاة"... طريقة يستخدمها الكثيرون لطمأنة انفسهم، مثلما يحدث أحيانًا أن يحاول أحدهم، بلا معرفة، تعزية آخر عن مرض أو ألم حرمان من شيء ما، فيبدأ في تشويه صورة الله لديه وكأن ما يحدث له هو عقاب عن شيء ما.

هل جئتم إليّ تسألونني لأنكم تفكرون في هذا؟ لأن لديكم أفكارًا وقناعات مسبقة عن الموقف بالفعل، أم إنكم هنا في محاولة صادقة للمعرفة لتغيروا شيئًا في أنفسكم؟

لذلك أقول لكم: إن لم تتوبوا عن إدانة الآخرين ومحاولة التفسير أو إطلاق التصريحات والاستنتاجات دون التأكد مما تقولون، فأنا أقول لكم: إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون.

وعندما جاءوا إليه بفتاة تعرضت للتحرش وحكوا له ما حدث لها، أخذها بين أحضانه وتعامل معها بكل حنان الأب وقال لهم، أتظنون أن ما حدث لها لأنها مخطئة أكثر منكم جميعًا، أم لأنها لم تحسن التصرف في ذلك الموقف!!!!

افحصوا أفكاركم وأنتم تنظرون لهؤلاء الضحايا وتدلون بدلوكم، وتقولون إن مكانها كان البيت أو إنه لم يكن عليها قول هذا أو الخروج أو الاشتراك.

ألم يكن هناك من وقف أمام آلام المسيح وأخذ يتأمل عذابه على الصليب ويقول: ألم يكن من الأفضل ألا يكون معارضًا لليهود وقتها؟ ألم يكن من الأفضل أن يكون حريصًا في كلامه؟ لماذا لم يكتفِ بأعماله السلمية مثل الشفاء، لماذا لم يكتف باتباع الجميع له؟ لماذا هاجم الفريسيين والكتبة؟ لماذا قال إنه ابن الله؟ لماذا طرد الصيارفة من الهيكل وكون لنفسه عداوات...!!!

ألا نفعل نحن أيضًا هذا الآن... بلا علم ولا معرفة لأننا لا نذهب إلى الله طلبًا لمعرفة ما نجهل، بل طلبًا لتأكيد ما نظن أننا نعرفه... مع أنه ينتظر أن يعرّفنا وأن يشرح لنا لماذا تحدث هذه الأشياء...  

 

أتظنون!!!!

يدعونا يسوع – قبل فحص المواقف والأحداث والأشخاص – إلى أن نفحص أفكارنا فحصًا أمينًا.

يدعوني أنا شخصيًا إلى أن أقف وأتوب

-           عن كل لحظة كان لدي فيها تفسير عبقري وذكي عما كان يجب أن يكون.

-           عن اللحظات التي ابتعدت فيها عن تعاطفي الإنساني مع الظلم والقهر لأبدأ في التفسير والنقد

-           عن كل وقت نظرت فيه لمن أصابه حدث جلل وقلت لنفسي: ربما كان من الأفضل لو؟ ولماذا ذهب إلي؟

لا يدعونا يسوع إلى عدم التفكير بل إلى تحاشي الإدانة والنظر إلى ذواتنا على أننا أفضل ولذلك لم يقع علينا البلاء.

لنصلي مع داود ونطلب بأمانة:

اختبرني يا الله واعرف قلبي. امتحني واعرف أفكاري، وانظر إن كان فيّ طريق باطل، واهدني طريقًا أبديًا.