البعد الشخصي للرسالة

بقلم ماريا دي لاسنساو من جماعات الحياة المسيحية في البرتغال

اهتمامنا بالرسالة ينشأ من اختبارنا الباطني لحب المسيح اللا محدود لكل واحد بصفة شخصية. تلك هي الخبرة التي تغير وتوجه كل حياتنا كعلمانيين، وتجعلنا نخرج من ذواتنا، وننفتح على الآخرين وعلى احتياجاتهم، وتجعلنا نبحث "تبعًا لظروف وخصائص كل منا" عن الخدمة "الأكثر إلحاحًا والأكثر احتياجًا والأكثر شمولية" . وقد تكون الرسالة الخاصة بي والتي تلبي هذه المعايير السابقة أن أعيش هذا الخروج من الذات بكل بساطة في أسلوب حياتي اليومي. فخدمة الملكوت قبل كل شيء تبدأ من خلال الأعمال البسيطة في حياتنا اليومية إذ: يريد الرب أن يكون حاضرًا في كل ما نقوم به، في البيت الذي نعيش فيه، في العمل الذي نقوم به، في الكلية، في مجموعة الأصدقاء... يريد الرب أيضًا أن يقترب من الأشخاص الذين نقابلهم في حياتنا اليومية. يريد أن يغير كل عمل من أعمالنا ويضفي عليه معنى جديدًا، معنى أبديًا. يريد أن يعتمد علينا لنجعل عالمنا أكثر آدمية، وبذلك يصبح أقرب إلى الله.فالرسالة الفردية تتعدى حدود الخدمة في نشاط معين زمانيًا ومكانيًا.

"إن الرسالة الفردية مثمرة في كل زمان ومكان، وفي بعض الظروف تصبح هذه الرسالة الفردية هي الإمكانية الوحيدة المتاحة لجعل المسيح متجسًا في عالم اليوم. وكل العلمانيين مدعوون لذلك ويجب أن يعتبروها من واجبهم مهما كانت ظروفهم، حتى إذا لم يكن لديهم فرصة أو إمكانية للاشتراك في الأنشطة" (المجمع الفاتيكاني الثاني).

وبفضل هذه الرسالة الفردية يصبح الإنجيل أكثر قدرة على الانتشار والتغلغل مجالات الخدمة الرسولية.

الحياة العائلية:

إن مستقبل الإنسانية يمر بالأسرة. وإذا ما اقتنعنا بهذا، فيجب أن تصبح بيوتنا أماكن ينمو فيها الإيمان والمحبة، أي أماكن للقاء بين الناس، وبينهم وبين الله. كيف نشعر بمسئوليتنا عن النمو الإنساني والروحي لأفراد أسرتنا؟ أي مكانة تحتلها الصلاة في حياتنا العائلية؟ ماذا نفعل لنساعد بعضنا بعضًا على الانفتاح على الآخرين والاستعداد المتنامي لاستقبالهم والاستماع لهم؟ تلك هي أسئلة تستطيع أن تبيّن لنا الطريقة التي نشهد بها عمليًا لملكوت الله في حياتنا العائلية.

ولكن الحديث عن الأسرة يقودنا بالفعل إلى استعراض كثير من القضايا المرتبطة بالحياة العائلية: قضايا التربية المسيحية للأطفال والشباب، مشكلات الإسكان، المسنين، تنظيم الأسرة، الإجهاض، عمل المرأة خارج المنزل، الشباب، المخدرات... إلخ. وأظن أنه يجب علينا، كعلمانيين في الكنيسة، أن نهتم بهذه القضايا وأن نلتزم – في حدود قدراتنا – بالتمييز بين ما هو مفيد للإنسان وما يهدم قيمه الحقيقية تحت مسمى تقدم البشرية والعلم.

الحياة المهنية:

في كل عمل نقوم به، حتى تلك الأعمال المتواضعة أو الخفية، هناك ثلاثة أبعاد أساسية لا نستطيع أن ننساها:

أولاً: إن العمل وسية لتقديس أنفسنا: أي أنه طريق نحو الله نعيشه في الأمانة المهنية والكفاءة العملية والأمانة الأخلاقية،أي في روح وقيم المسيح.

ثانيًا: إن العمل طريق لتقديس العالم: وذلك إذا ما استطعنا بجهودنا لمساهمة في بناء عالم أكثر إنسانية وأكثر كمالاً، في سبيل تقم جميع البشر وراحتهم.

أخيرًا: إن العمل مكان لتقديس الآخرين: بالاستقبال الجيد لهم، وبشهادة الحياة التي نقدمها، وبالكلمة الصادقة.

يمثل العمل الإنساني "اشتراكنا في عمل الله الخلاق". فكل واحد منا مدعو بعمله للاشتراك مع الله في بناء العالم وتقدم التاريخ. و"على العلمانيين أن يساعموا بكل قوتهم وكفاءاتهم، التي ستنميها نعمة يسوع المسيح، في إبراز قيمة المخلوقات، وذلك بحسب وصية خالقهم وعلى ضوء المسيح – كلمة الله" (المجمع الفاتيكاني الثاني).

الحياة المدنية والاجتماعية:

تسعى الرسالة في المجال الاجتماعي أن تدخل الروح المسيحية في عقلية المجتمع وعاداته، وأيضًا قوانينه وهياكله. وهذا مقصور على رسالة العلمانيين ولا يمكن للآخرين أن يقوموا بها كما يجب" (المجمع الفاتيكاني الثاني).

وما أكثر المجالات التي نستطيع أن نعمل فيها:

ففي مجال السياسة: الحرية، المشاركة الاجتماعية، الديمقراطية، العدالة، المساواة، الحفاظ على البيئة...

وفي مجال المجتمع المدني: النقابات، الجمعيات الأهلية، الجمعيات الثقافية.

وفي مجالات الخدمات والعمل الاجتماعي التي يمكن تقديمها: الصحة، التعليم، كبار السن، الإسكان، الكفاح ضد الجوع... إلخ.

وأيًا كانت ظروفنا، فهناك متطلبات لا يمكن التنازل عنها: "ترقية الصالح العام، الاهتمام التفضيلي بمن هم أكثر احتياجًا، مساندة المناضلين في كل مكان من أجل نظام أكثر عدلاً" (كلمة الأب بيدرو أروبي أمام المؤتمر العالمي لرفاق الكرمة في روما 79). ويكفي أن نفتح عيوننا لنكتشف أوضاعًا خطيرة للظلم الاجتماعي وحالات لا حصر لها للاستغلال والفقر. كم من مرة يشلنا الخوف واللا مبالاة! وبالرغم من ذلك... فكل صوت صامت بيننا يساهم في تكريس عدم الاكتراث العام تجاه المحتاجين، وبذلك نجعل العالم يرى أنه من الطبيعي أن يسحق بعض الناس أشخاصًا غيرهم... بينما هم جميعًا إخوة!

لنكن إذًا مقتنعين أن عدم اكتراثنا يساهم في زيادة عدم اكتراث العالم، وأن خطايا الإهمال التي نرتكبها تزيد من خطية العالم. ينبغي علينا أن نعلن أنه من الممكن بناء المجتمع على مثاليات حقيقية للتضامن، مؤسسة على حب شامل وبدون تفرقة. وقد يكون من المهم أيضًا أن نبحث عن "طرق" جديدة للعلاقات بين البشر. ولماذا لا نهتم باكتشاف هذه الطرق، مبتدئين بعلاقاتنا في حياتنا اليومية؟ الحياة الكنسية: إن للعلمانيين المؤمنين – بحكم عضويتهم في الكنيسة – دور إعلان الإنجيل كدعوة ورسالة. وهم ملتزمون بذلك ومؤهلون له بموجب سري المعمودية والتثبيت، أي بمواهب الروح القدس" (من الرسالة البابوية: "العلمانيون المؤمنون").

فإن التعبير العملي عن هذا الالتزام يمكن أن يتخذ أشكالاً متعددة: فبعضنا مثلاً مدعو إلى حياة مرتبطة بالمؤسسة الكنسية مباشرة (الرعايا، مجالس الإيبارشيات، المجلس الرعوي العام، الهيئات الاجتماعية الخيرية... إلخ). آخرون دعوتهم هي لخدمة عملية في نفس إطار أولويات الكنيسة (في المجالات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية... إلخ). في حين آخرين مدعوون لجعل الكنيسة حاضرة في جميع مجالات حياتهم اليومية. هكذا تتشكل حياتنا وحدة في المسيح دونما ازدواجية أو أدوار متعددة نلعبها أو وجوه نظهر بها، واحد للعمل، ثان للبيت، وثالث للكنيسة وهكذا.

عن محاضرة ألقتها ماريا دي لاسنساو من البرتغال - في مؤتمر جوادالاخارا في المكسيك - 1990-  وقد نُشر المقال المترجم في مجلة رفاق الكرمة في مصر.