بقلم الأب نادر ميشيل اليسوعي
مراجعة الحياة اليومية أو فحص الضمير هو صلاة الشخص انطلاقًا من حياته التي يعمل فيها الله، فهو يؤمن أن الله يتكلم عبر الكتاب المقدس وأحداث الحياة، ومن خلال حياته الشخصية أيضًا والتي تؤثر فيها كلمة الله وأحداث العالم والمجتمع. فكما أنه يفتح الكتاب المقدس وينصت إلى صوت الله فيه، وكما يتطلع إلى أمور الدنيا ويكتشف حضور الله فيها، كذلك فإنه يفتح قلبه ليقرأ وجود الله في حياته، وذلك من خلال أحداثها وظروفها، ومن خلال اللقاءات التي يقوم بها والمواقف التي يتخذها والعلاقات التي تربطه بالناس وبالأشياء.
وبالتالي يمثّل فحص الضمير وسيلة المؤمن المميزة للتعرف إلى عمل الله فيه، فهو الوقت الذي يتوقف فيه لينظر إلى حياته ويكتشف علامات حضور الله فيها. وكلّنا يعرف قصة تلميذي عماوس، فقد رافقهما يسوع على الطريق وشرح لهما كل ما يختص به في الكتاب المقدس، وعندما ألحّا عليه في البقاء معهما والدخول عندهما، أخذ الخبز وبارك ثم كسره، فانفتحت أعينهما وعرفاه. وقد تمت هذه المعرفة بالرجوع إلى الذات وتذكُّر أحداث الطريق كله، انطلاقًا من الانتباه إلى مشاعر القلب: "أما كان قلبنا متّقدًا في صدرنا، حين كان يحدّثنا في الطريق ويشرح لنا الكتب؟" (لو24/ 32).
كيف نقوم بفحص الضمير أو مراجعة الحياة ؟
- وإذا كان فحص الضمير صلاة، فهو يبدأ مثل أية صلاة بالحضور أمام الله الذي ينظر إلى الإنسان وينتظره ؛ فعلى المُصلّي أن يأخذ الوقت الكافي لتهيئة نفسه والدخول في حضرة الله. ويمكنه القيام بذلك بإغماض عينيه، أو بالتركيز الداخلي والانتباه إلى تنفسه، أو برسم إشارة الصليب بهدوء وتقوى، أو بتذكّر ترتيلة أو آية من الكتاب المقدس...
- ثم يشكر الإنسان الله على النعم التي نالها، بمعنى أن المُصلّي يتوجه إلى الله على أنه مصدر حياته وكل خير في الوجود ؛ ويعبّر بالتالي عن إيمانه بمحبة الله أبيه من يعمل في حياته وفي كل الأشياء من أجل خيره.
- ثم يطلب الإنسان من الله نعمة تذكّر أحداث يومه، لأن فحص الضمير ليس حديثًا داخليًا بين الشخص ونفسه (مونولوج) يُقيّم من خلاله حياته أو يحاكم نفسه أو يقوم بتحليل نفسي لتصرفاته، بل هو حوار مع الله. فهو صلاة تبدأ بطلب المُصلّي النعمة من الله كي يكشف له حضوره وعمله في كل ما قام به من نشاطات ولقاءات، وما ارتبط به من علاقات بالناس والأشياء. ويعني هذا أن الإنسان يؤمن بأن الله حاضر وفعال في حياة العالم وأحداثه وفي تاريخه الشخصي، محوِّلاً حياته إلى تاريخ مقدس، فبنعمة الله فقط يستطيع أن يكتشف أن حياته أصبحت موضع حضور الله وأن كل ما يحدث فيها هو نعمة من لدن الرب.
- ثم يشرع الإنسان في مراجعة يومه ساعة ساعة، متذكّرًا أفكاره وأفعاله وأقواله، صلاته ومشاعره وردود أفعاله، علاقاته ومواقفه من الناس والأشياء. فعلاقة المؤمن بالله تتم من خلال علاقاته بالناس والأشياء، من خلال مواقفه من الناس والأشياء، إيمانًا منه بالله خالق الكون والمخلوقات، والذي ارتبط بحياتنا الإنسانية وقدّسها بتجسد ابنه البكر يسوع المسيح، فحولّها إلى موضع الالتقاء بالله والدخول في علاقة حقيقية معه.
- ويشكر الإنسان الله إذا اكتشف حضوره ونعمته في ما قام به خلال اليوم، أو يطلب إليه المغفرة إذا تبيّن له أنه لم يكن موفَّقًا في أحد أفعاله أو مهملاً في أحد واجباته، ثم يعقد العزم على إصلاح ما لم يوفَّق فيه.
- ويختم الإنسان صلاته بحوار شخصي مع الله مثلما يتحدث الصديق إلى صديقه، ويتلو الصلاة الربانيّة (راجع "الرياضات الروحية" للقديس إغناطيوس دي لويولا، رقم 43). ويستغرق عادة فحص الضمير اليومي حوالى 15 دقيقة.
وللتبسيط، بإمكاننا تلخيص فحص الضمير في هذه الكلمات الأربع :
هآنذا - شكرًا - عفوًا - معًا في الغد.
- أنا هو يا رب أمامك وفي حضرتك،
- أشكرك على جميع نعمك وبالأخص على نعمة انتباهي لحضورك وتجاوبي معك من خلال علاقاتي ونشاطاتي ومواقفي،
- أطلب مغفرتك عن هفواتي وخطاياي،
- معك، أتقدّم نحو الغد، وبنعمتك سأكون أفضل لأني واثق بك وبمحبتك ورحمتك.