النعم التي نطلبها في بدء كل تأمل

بقلم الأب حنا فور اليسوعي

نتذكر أن القديس إغناطيوس في مقدمات كل تأمل يجعلنا نتجه إلى الله لنطلب منه النعمة التي نريدها. لهذا الطلب هدفان: الأول أن ننال هذه النعمة من الله لأننا بدونه لا نستطيع أن نفعل شيئًا، والهدف الثاني، وهو ليس أقل أهمية، هو أن نركز مساعينا خلال التأمل على نقطة معينة محددة، ونضع نصب عيوننا الغاية التي نسعى إليها في التأمل لئلا تشرد أفكارنا وتنحرف إلى مواضيع أخرى. لذلك يهمنا دراسة هذه النعم المختلفة لأنها تعبر عن مواقف روحية متسلسلة ضرورية للنمو والتقدم مع المسيح.

1- عند نظرية المبدأ والأساس: "الحياد الإيجابي"

ليس لهذه النظرية مقدمة تحدد النعمة المطلوبة لأنها هي مجرد استنتاج منطقي وواقعي لمبادئ الإيمان. إنما من الواضح في هذا النص أنه يرسم لنا شرطًا لابد منه للتقدم إلى الأمام في الرياضة. "الزهد" أو "الحياد الإيجابي" أو "الحرية تجاه المخلوقات". موقف روحي أساسي واستعداد جوهري. فعلى كل من يريد أن يوجه حياته حسب إرادة الله وحده أن يطلب من الله أن يجعله في هذه الحالة من بدء الرياضة.</p> 

2- عند التأمل في الخطيئة: الخجل والألم

تدور تأملات الأسبوع الأول حول الخطيئة وأضرارها، ولا ننظر إلى الخطيئة بمجرد ندامة مثلاً عملية تجارية خاسرة، بل نريد أن نقيم أعمالنا أمام الله الذي يحبنا. فليست الخطيئة مجرد خطأ بل هي نوع من رفض الحب وسوء معاملة تجرح القلب الذي يحبنا.
لذلك من خلال التأمل في الخطيئة أطلب أن أتألم وأن أخجل وأن أتوجع في قلبي بل وان أذرف الدموع أيضًا لأني خالفت عهدي مع الله. فأسأله أن يعلمني ماذا يجب أن أفعله في المستقبل تعويضًا عن خطاياي لكي أرد على حبه بالحب، فلا اكتفي بالسؤال "ماذا فعلت؟" لأندم عليه بل "ماذا سأفعل؟" لأتجاوب مع الله المحب.

3- في أسبوع التأمل في المسيح، نطلب "معرفة عميقة باطنية ليسوع حتى أحبه أكثر فأتبعه بأسلوب أفضل".

وفي هذا لا نكتفي بجمع معلومات عنه أو بوصف خارجي لشخصيته، بل نريد أن نعرفه من داخله وأن نعرف انفعالاته الداخلية وأن يكشف لنا أسراره حتى نحبه كشخص حي ونتحد به ونقتدي به ونلتصق به بحب قوي لنتبعه حيث يمضي في مشروعه الخلاصي.

لذلك في مشاهدة الملك، نطلب "أن لا أصم أذني عن سماع دعوة ربنا يسوع المسيح بل أن أسرع وأبذل جهدي في تتميم مشيئته القدوسة". وفي التأمل في الرايتين أطلب "معرفة حيل العدو ومعرفة الحياة الحقيقية فقبولي تحت راية المسيح. وفي تأمل درجات التواضع الثلاث نطلب التشبه بيسوع المهان والمتألم والمصلوب وننتقل من منطق الحلا والحرام وخوف جزاء الخطيئة إلى منطق الحب.

وفي تأمل ثلاث فئات من الناس نطلب أن نصبح رجالاً عمليين، ولا نكتفي بمجرد أمنيات ونيات الصالحة بل نواصل عملية الإصلاح الذاتي إلى التنفيذ ولو على مستوى القرار، لكي نختار فقط ما هو الأوفق لمجد جلال الله وخلاص نقسنا.

ويتضح هنا أننا لا نكتفي بعلاقة عاطفية بالمسيح، كما ورد في الكثير من ترانيم أيامنا الحاضرة، بل نريد الاشتراك في عمله ورسالته، ونقتدي بأساليبه مهما كانت مضادة لميولنا الطبيعية، ونرغب أن نتبعه على طريق الفقر وتحمل الإهانات الموصلة إلى التواضع، لنقنع الآخرين بمتابعة يسوع على طريق الخلاص، كل هذا بقدر ما يريده لنا الله تعالى. إذًا نطلب نعمة الرسالة إنما مع المسيح وبأسلوبه فقط.

4- في الأسبوعين الثالث والرابع: نطلب نعمة الألم ثم الفرح

ونطلب من الله التوجع والاكتئاب والخجل بل والدموع أمام المسيح المتألم من أجلنا ثم الفرح والبهجة الشديدة والسرور العظيم مع المسيح المنتصر في القيامة.
وأخيرًا في المشاهدة لبلوغ الحب نرجع ونطلب معرفة نعم الله الجزيلة حتى نصل إلى حب عزته الإلهية وخدمتها، ليكمل الله عمله الأبوي الخالص بواسطة أيدينا، والخادم بواسطة عقولنا، والمحب بقلوبنا فتصبح الحياة الروحية اتحادًا كاملاً بين الإنسان وبين الله. وسنستعرض في الجزء التالي، أهم الوسائل والأساليب المستخدمة في الرياضة الروحية الإغناطية.