اليوم العالميّ لجماعة الحياة المسيحيّة 2010

مَن هُم الفقراء؟

 

 

      في منظور ضيّق، الفقراء هم الناس الذين يفتقرون إلى الموارد الاقتصاديّة. ومع ذلك، هناك عدّة طرق أخرى للتعريف بالفقر، غير أن يكون الإنسان في حالة التهميش الاقتصاديّ. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن نقع في الموقف النمطيّ الذي يفترض أن أعضاء جماعة الحياة المسيحيّة في أحد البلدان المتخلّفة هم فقراء، لأنّ دَخلهم أقلّ من دَخل أعضاء في البلدان المتقدّمة. هذا قد لا يكون دائمًا أكيدًا لأنّه حتّى في بعض البلدان الفقيرة هناك أعضاء من جماعة الحياة المسيحيّة مستوى معيشتهم أفضل من مستوى كثيرين في مجتمعهم، في حين أنّ هناك أعضاء من جماعة الحياة المسيحيّة يعانون من الفقر في البلدان المتقدّمة. 

 

في منظور أوسع، الفقراء يمكن أن يشملوا جميع الناس الذين ليست لديهم الأمور الضروريّة مثل المال وإمكانيّة الحصول على الرعاية الصحّيّة، والتعليم، والمودّة، والاعتراف بهم، إلخ... مفهوم الفقر هذا يعني أنّنا جميعًا فقراء لأنّ لا أحد لديه كلّ شيء. كلّ حاجة أو نقص للأمور الأكثر سطحيّة يمكن أن يقودنا إلى أن نشفق على أنفسنا وننسى معاناة الآخَرين.

 

      وخلافًا للموقفَين السابقَين، الفقر الحقيقيّ يُعتَبَر أكثر واقعيّة، لأنّه يعتبر أنّ الفقراء هم الأشخاص الذين يعيشون في ظروف غير إنسانيّة، في ظلّ ظروف يُقال عنها إنّها مناهضة للإنجيل. وهو ليس مقتصرًا فقط على الحرمان الاقتصاديّ، ولكنّه يمتدّ إلى كلّ حالة من الحالات التي تؤدّي إلى يكون الإنسان في وضع عدم المبالاة الاجتماعيّة. هذا الفقر يتوقّف على عوامل مثل العِرق، والجنس، والإعاقة، والعمر، والحصول على العِلم، والهجرة، وما إلى ذلك. ولكنّ الأمر ليس غامضًا للغاية ليشمل أيّ رغبة غير مُلَبّاة.

 

الفقر الحقيقيّ هو كلّ ما يتعارض مع مشيئة الله للبشريّة.

 

الخيار التفضيليّ للفقراء هو في قلب الرسالة المسيحيّة، لأنّ يسوع ذاته تطابق مع الفقراء (متى 25،31–46). فمن الضروريّ التعرّف على الفقراء لنتمكّن من تحديد علامات الأزمنة ولنكون منتبهين إلى الوقائع الخاصّة بهذا العالم الذي نعيش فيه. مَن هم أفقر الفقراء بيننا، في وضعنا المحلّيّ والعالميّ؟ لو كان يسوع عائشًا في جماعتي، بمن كان قد يهتمّ بنوع خاصّ؟

 

الاحتفال باليوم العالميّ لجماعة الحياة المسيحيّة يصادف مع عيد البشارة حيث صار الله واحدًا منّا. جاء الله خاصّةً من أجل الفقراء، بمختلف أنواعهم. ولد يسوع في بيت متواضع، وكان من بين الأشخاص المُهَيمَن عليهم. البشارة هي دعوة جديدة لعيش الروحانيّة المتجسّدة التي تهتمّ بكلّ ما يحدث في العالم. وهي تدفعنا إلى أن نُظهر في حياتنا، هذا الإله الذي نؤمن به. وهي تدعونا إلى التضامن مع الناس الذين يعيشون في حالات مخالفة لإرادة الله.

 

 

ما من شيء أكثر روحانيّة من الانطلاق من الرّغبة إلى العمل الملموس.

 

 

لا يكفي أن نعرف أنّ الفقراء هم المفضَّلون عند الله إذا ظللنا نعتبرهم غرباء ونعاملهم كغرباء. إذا أعطيناهم فقط المساعدة والمحبّة، من دون أن نعترف بقيمتهم الخاصّة وبكرامتهم الخاصّة، وإذا كنّا نعتبرهم دائمًا أدنى منّا، ومحدودين، وغرباء عنّا، أليس هذا دليلاً على حاجتنا إلى تعميق فهمنا وعَيشنا لسرّ التجسّد؟

 

نحن مدعوّون، كأعضاء في جماعة الحياة المسيحيّة، إلى أن نسأل ذاتنا بصدق عن علاقتنا مع الفقراء في هذا العالم. مَن هُم الفقراء في عالمنا؟ كم فقير أعرفه باسمه؟ كم واحد من بينهم هم أصدقائي؟ من المهمّ أن نعرف أنّ القُرب الذي يجعل منّا أصدقاء، يقودنا إلى التزام حقيقيّ تجاه الآخَرين.

 

يمكننا أن نسأل ذاتنا أيضًا إلى ماذا نحن مدعوّون حاليًّا في الرقم 4 من مبادئنا العامّة، لنضمن أن تكون جماعاتنا مؤلّفة من رجال ونساء من جميع الفئات الاجتماعيّة. هذا الاعتبار يمكن أن يساعدنا على أن نكون أكثر انفتاحًا على التباين في جماعاتنا عن طريق العِرق أو التربية أو غيرها من العوامل.

 

الإنجيل يبيّن لنا تفضيل يسوع للفقراء وللمنبوذين من المجتمع في عصره: فقد أكل معهم، دعاهم باسمهم، عاملهم باحترام، صار صديقًا لهم، استمع إلى احتياجاتهم، شاركهم في حياتهم، دعاهم إلى أن يكونوا أعضاء في جماعة رسله، وأن يكونوا من أتباعه.

 

نقترح عليكم النصوص التالية التي تساعدكم على التأمّل بمواقف يسوع تجاه الفقراء:

 

لوقا 7، 36-50 : الفرّيسيّ والعشّار.

الفرّيسيّ اهتمّ بهيبته واغتنم الفرصة لإظهار الأعمال الحسنة التي يقوم بها. يسوع يفضّل المهمّشين الذين يضعون حبّهم كلّه مع ما يقدّمونه.

 

    مرقس 10، 46-52 : شفاء برتيموس.

يسوع عامل الأعمى بكثير من الاحترام والكرامة، داعيًا إيّاه باسمه، مستمعًا إلى احتياجاته، جاعلاً إيّاه يشعر بقيمته الشخصيّة، فأصبح برتيموس تلميذَه.

 

    لوقا 19، 1-10 : اللقاء مع زكّا.

قبل أن يلتقي بيسوع، كان زكّا يعتبر ذاته مهمَّشًا في المجتمع، بالرغم من غناه المادّيّ. بعد لقائه بيسوع، عرف أنّه لم يكن يهتمّ إلاّ باحتياجاته الخاصّة، وهكذا اكتشف وجود فقر حقيقيّ قد يكون هو مسؤولاً عنه، وربّما كان بإمكانه أن يحاربه.

 

التحضير لواقع جديد:

 

بعد أن تفكّروا وتصلّوا، شخصيًّا وفي الجماعة، حول هذه الأفكار المتعلّقة بالفقراء في هويّتنا كجماعة حياة مسيحيّة وفي رسالتنا، ندعوكم إلى الاحتفال باليوم العالميّ لجماعة الحياة المسيحيّة، وإلى القيام بعمل ملموس يعكس الجديد الذي اكتشفتموه والذي تريدون إعلانه كما تصرّف الملاك مع مريم. نعني بهذا علامة حقيقيّة رمزيّة تُظهِر قربنا من الفقر الحقيقيّ وتتضمّن بشكل ملموس معنى التضامن وعمل التضامن.

 

وأيضًا، ينبغي أن يندرج هذا التدبير في طريقة عمل. نقترح أن يكون الرمز هو بداية لوقت يحضّرنا لإنارة جديدة لمسيرتنا، بما أننا ننفتح كجماعة حياة مسيحيّة في العالم، لنفهم بشكل أفضل ما يدعونا الرب إلى عيشه حيال فقراء عصرنا. كما حملت مريم الطفل يسوع تسعة أشهر في أحشائها لغاية ولادته في مغارة في بيت لحم، هكذا الجماعات مدعوّة إلى الشروع في عمليّة تفكير وعمل من شأنها أن تقودهم إلى النضوج وإلى خلق حقائق فيها المزيد من الرجاء والمزيد من الحياة التي هي علامات حضور ملكوت الله في العالم.

 

أخيرًا، نطلب منكم أن تشاركونا أخباركم وصورًا من الاحتفال، لكي نجدّد بواسطتها الموقع الإلكترونيّ الخاصّ بالجماعة. يمكنكم أن ترسلوها على هذا العنوان: [email protected]

أعطنا يا ربّ نعمة رؤيتك في المهمّشين،

 

وساعدنا على محاربة قوى التهميش.

 

 

متّحدين بالصلاة وبالخدمة كجماعة عالميّة.

 

فرانكلين إيبانز – صوفيا مونتانز                                    دانييلا فرانك

                سكرتير عالميّ                                                  رئيسة