مسيحيون = مؤسسون على علاقة شخصية مع المسيح

people commitment

 الأب أوليفر برج أوليفييه

 

مسيحيون ملتزمون كشهود في الكنيسة والمجتمع

 بدأنا نتناول موضع الالتزام في أول الصيف الماضي. كان ذلك في أثناء أحد قداساتنا الشهرية، وأدى إلى رد فعل عنيف لدى بعضهم، وإلى نوع من القلق لدى آخرين.

لذا فكرنا أن نتخذ من الالتزام شعارًا لهذه السنة لكي نحاول تعميقه معًا. وأرجو أن نستطيع بذلك أن نتخلص من خوفنا وقلقنا ونسير نحو الالتزام بسلام وثقة أكثر. وسنعمق شعار السنة في بابنا هذا.

التزام مُؤسَس على الحبّ:

 إن أول كلمتين في شعارنا هما "مسيحيون ملتزمون". ولكي يصبح التزامنا حقيقياً، ولكي يحافظ عليه من يلتزم به، يجب أن يكون الالتزام ثمرة للحرّية والثقة والحب. فكل التزام مُرغَم أو مَفروض من الخارج لن يكون إلا عائقاً أمام الملتَزِم وبالتالي غالباً ما سيرفضه أو يتركه جانباً.

ونحن عندما نتحدث عن " مسيحيين"، نتحدث – لا عن أعضاء عاديين في إحدى الديانات – ولكن عن أشخاص يشعرون بدعوة لأن يعيشوا علاقة حبّ شخصيّة أعمق مع المسيح. وتُذكرنا مبادئنا العامة بذلك في مقدمتها:

"إن الأقانيم الإلهيّة الثلاثة ... قد قرروا أن يبذلوا ذواتهم كاملة في سبيل كافة الرجال والنساء ليحررهم من كل قيودهم. فبدافع الحب قد تجسد الله الكلمة ووُلد من مريم... وإن يسوع، إذ تضامن مع الفقراء وشاركهم وضعهم، يدعونا كلنا إلى أن نبذل أنفسنا للرب بذلاً مستديمًا، وأن نحقق وحدة أسرتنا البشرية.

وبصفتنا مسيحيون، نعترف أن المبادرة تأتي من الله في علاقة الحب هذه فهو الذي أحبنا أولاً، وهو الذي بمحبته في تجسده في يسوع المسيح، يدعونا إلى أن نحبه وأن "تبذل أنفسنا للرب بذلاً مستديماً".

فالمسيح، وهو يحبنا كما نحن بضعفاتنا وخطيئتنا، وهو يغفر لنا كما غفر لبطرس الذي أنكره، يقول لنا "بطرس (أو ربما هاني أو سامي أو منى أو سلوى ...) أتحبني؟ أتحبني أكثر مما يحبني هؤلاء؟" (يو 21: 15) فالحبّ الذي يدعونا إليه المسيح هو حبّ عميق وحميم (أكثر مما يحبني هؤلاء)! هو حبّ لا يمكن أن يتركنا سلبيين ولا مبالين. حب لا يكتفي بمجرد الكلمات. وكما يقول إغناطيوس:

"قبل كل شيء يحسن الالتفات إلى أمرين:
أولاً: أن تجعل الحب في الأفعال أكثر منه في الأقوال.
ثانياً: يقوم الحب على العطاء المتبادل، أي أن المُحبّ يعطي المحبوب ما له أو جزءً مما له أو من إمكاناته..." (رر 230 و231)

الصلاة:

    ولكي نُحب شخص ما، علينا أولاً أن نعرفه. فالحبّ الحميم العميق يتطلب معرفة عميقة بشخص يسوع المسيح، ولا نستطيع أن نصل إلى هذه المعرفة العميقة ولا أن نتذوقها "باطنياً"- كما يقول إغناطيوس – إلا إذا أخذنا الوقت لنصلّي صلاة عميقة شخصية. ففي تأملنا في المسيح في الأناجيل، سنتعلم أن نعرفه أفضل، وأن نكتشف وجهه الحقيقي الذي هو وجه محبّة ورحمة. وفي مراجعتنا ليومنا على ضوء "الكلمة" التي تأملنا فيها، سنكتشف حضوره المحب في حياتنا.

حينئذ ستلتهب قلوبنا كما حدث لتلميذي عماوس وسنشعر برغبة ملحة لنشهد أمام الآخرين أن المسيح قد قام. حينئذ سنستطيع قبول دعوة المسيح لكي "نرعى خرافه".

رجال ونساء ذوي إرادة:

"وفي سبيل إعداد أعضائنا إعداداً أكثر فعالية للشهادة والخدمة الرسوليتين، في محيطنا اليومي خاصة، نجمع في جماعات أشخاصاً يشعرون باحتياج مُلّح إلى توحيد حياتهم الإنسانية على جميع مستوياتها بملء إيمانهم المسيحي، توحيداً بحسب روح ما يميزنا عن غيرنا. وتجاوباً مع دعوة المسيح، إننا نحاول أن نحقق توحيد حياتنا هذا ونحن في داخل العالم نحيا فيه".

 فالمسيحي يبحث عن تنمية جميع أبعاد الحياة ليضعها في خدمة الملكوت، والجماعة هنا لتساعدنا على هذه الوحدة الحياتية. ومن بين هذه الأبعاد هناك بعد الهبة: الهبة المقبولة والهبة المعطاة. فالهبة هي علامة الحب. "ليس لأحد أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه". (يو 15 : 13). فيسوع نظر إلى الشاب الغني وأحبه، وفي محبته دعاه ليلتزم وليفقر نفسه. فلا يمكن أن نحبّ، إذا لم نكن على استعدادا لنفقر أنفسنا، أي أن نصبح على استعداد لنعترف أننا لا نستطيع شيئًا بقوانا الخاصة، وإننا قد نلنا كل شيء من الذي أحبّنا. خاف الشاب الغنيّ من المخاطرة بتقديم ذاته.

وهذا هو الخوف نفسه الذي يجعلنا نتردد أمام الالتزام. فالحب يدعونا ويحثنا على بذل ذواتنا، حيث يدعونا المسيح. ولكننا نتردد، نخاف من الالتزام والارتباط. "من يقول لي إنني لن أتغير في المستقبل؟ من يضمن لي أنني سأظل وفياً؟". لا أحد بالطبع! ولكن هنا تدخل الثقة به، في من يدعوني، فإن كان هو من يحبّنا ومن يدعونا فسيعطينا القوة لنظل أمناء.

وأذكر أن أخي، يوم زواجه، وهو واقف أمام المرآة، يعدل من وضع ربطة عنقه، أخذ يرتجف وقال موجهاً حديثه لوالدتنا: "أمي أتظنين أني فعلت صواباً؟ أقادر أن أعيش هذا الالتزام؟ أنا خائف. أيجب أن أذهب إلى الكنيسة؟ وردت أمي قائلة: "اتبع ما يقوله قلبك، وضع ثقتك في الله".

وأعتقد أننا نحتاج نحن أيضاً إلى الاستماع إلى قلوبنا وإلى الثقة. فلن نستطيع أن نجد حريتنا – الحرية الحقيقية – إلا إن قبلنا أن نقدمها للمسيح ليضعها في خدمة الملكوت.

فلنثق فيه ونبحر معه... فهو وإن لم يعدنا بهدوء البحر، فقط بحضوره بيننا طول الأيام.

للتأمل الشخصي:

  1. هل أنا مقتنع بمحبة المسيح لي؟ في أي الأشياء أكتشفها؟ ما هي علاماتها؟ هل آخذ الوقت لأعبّر للمسيح عما أشعر به أمام محبته (أو أمام نقص محبته، إن كان هذا هو شعوري)؟
  2. من هم الأشخاص الذين أحبهم حقيقةً؟ هل يترجم هذا الحب بالأفعال؟ ما هي هذه الأفعال؟ هل هناك مشاركة حقيقية بيننا؟ وماذا عن محبتي لله، كيف أترجمها إلى أفعال؟
  3.  ما هو رد فعلي عادة أمام كلمة "التزام"؟ لماذا؟ هل هناك أسباب أكثر عمقاً لرد الفعل هذا؟ وماذا عن الالتزام برفاق الكرمة؟
الاختصار *رر" = "الرياضات الروحية " للقديس إغناطيوس