نشرة المجلس العالمي - رقم 150

  اليوم العالميّ لجماعة الحياة المسيحيّة، 2012

معنى الانتماء

 

مبادئُنا العامّة، وبالأخصّ الرقم 10، تَعرض الانتماء إلى جماعة الحياة المسيحيّة على أنّه دعوة شخصيّة حقيقيّة. والانتماء هو نتيجة لعمليّة تمييز، وهو يعني، مع "نمط حياتنا" (م.ع.12)، أن نلتزم بطريقة حيّة وحقيقيّة في الجماعة (المجموعة الصغيرة أو الجماعة المحلّيّة، والجماعة الوطنيّة والجماعة العالميّة) الّتي هي الجسد الرسوليّ الكبير الّذي تؤلّفه جماعة الحياة المسيحيّة.  

تحضيرًا لليوم العالميّ لجماعة الحياة المسيحيّة لسنة 2012، نطلب من كلّ الجماعات ومن الأصدقاء القريبين التفكير بمعنى "الانتماء" الحقيقيّ والكامل. إنّه يقتضي الالتزام في الجماعة، وفي ركائزها الّتي هي التنشئة والرسالة والروحانيّة، وفي المسؤوليّة الماليّة المشتركة، وفي ما نحن مدعوّون أن نعيشه  في الجماعة.

   مفهوم "الانتماء" يشكّل اليوم مشكلة

 

 

إنّ موضوع الانتماء مرتبط في أيّامنا هذه بالهيكليّات البشريّة (الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة) الّتي تسود في عالم اليوم. وبعبارة أخرى، في معظم الحالات، نفهم الانتماء على أنّه الانضمام إلى مجموعات رسميّة تتحوّل إلى أماكن معزولة أو مختلفة، حيث نستطيع تأكيد هويّتنا بتحديد الاختلاف عن "الآخَرين"، وقد يصل الأمر إلى نَفْيِهم.

 

 فمن وجهة النظر هذه، يضع الانتماء عادةً مسافات بين الأشخاص، مسافات تتعلّق غالبًا بالمقتنيات على صعيد المادّة أو العلاقات (مثلاً: النوادي، مجموعات أو جمعيّات مغلَقَة من النُخَب، معروفة بتفوّقها الاقتصاديّ أو الفكريّ أو الاجتماعيّ). أحيانًا أخرى، تتألّف مجموعات انتماء انطلاقًا من الاختلاف في الثقافة أو الأصل أو العقيدة أو غيرها (مثلاً: تَجَمُّع بحسب التقارب العِرقيّ، أو بحسب بلد المنشأ بالنسبة للمهاجرين، أو بحسب الحساسيّة الدينيّة، وهذه المجموعات تنطوي على نفسها لبناء هويّتها الخاصّة ومواجهة الفروقات). ونحن كجماعة، نعكس أيضًا واقعَنا: بما أنّنا نتأثّر بالهيكليّات المحيطة بنا، علينا أن نتوقّف ونسأل أنفسنا كيف نفهم ونعيش معنى الانتماء إلى جماعة الحياة المسيحيّة وسط هذا الواقع. لذلك ندعو الجماعة إلى أخذ "وقت أوّل للتفكير" انطلاقًا من السؤال الآتي: إلى أيّ مدى أثّرت الهيكليّات الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو السياسيّة أو الثقافيّة على فَهمي لمفهوم الانتماء، كشخص، كمسيحيّ، وكعضو في جماعة الحياة المسيحيّة؟

 

 وجهات نظر أخرى

 هناك رؤية يمكن أن تساعدنا على فَهم معنى الانتماء، وهي أن نأخذ موقفًا لأنفسنا كبشر، مع خصوصيّاتنا واختلافاتنا التي تعكس سياقنا الاجتماعيّ والثقافيّ، وأن نُدرِك أنّنا كلّنا أعضاء في عائلة إنسانيّة واحدة. هذه الرؤية تتّفق مع قناعتنا كأعضاء في جماعة الحياة المسيحيّة بأنّنا كلّنا أبناء وبنات الله الواحد الّذي هو قبل كلّ شيء تعبير عن الحبّ العميق لخليقته، خاصّةً للرجل والمرأة (سفر التكوين2: 1-7). فالله يرغب في أن يَفهم الكائنُ البشريّ معنى وجوده لكي يعيش بالكامل ولا يكون وحيدًا (تك2: 18-23).

 

والمَثل الّذي يمكن أن يساعدنا على فهم "الانتماء" في هذا السياق هو ما يُعاش في المحيط العائليّ. بالنسبة إلى جماعة الحياة المسيحيّة، العائلة هي المكان الأهمّ ونقطة الانطلاق للمدرسة الحقيقيّة للإيمان والكرامة وإعادة خَلق حبّ الله بين أعضائها وتجاه البشريّة كلّها، خاصّةً الأكثر استبعادًا والأكثر ضعفًا (م.ع.4). فيجب أن نعطي للعائلة معنى أبعد من روابط الدم فقط، معنى جماعة حياة نشعر أنّنا أعضاؤها لأنّها تصبح بالنسبة لنا مكانًا للثقة وللعيش المشترك وللرِفقة في الحياة اليوميّة. تصبح العائلة مكانًا حميمًا يسمح بلقاءٍ عميق، في حبّ جدّيّ وعميق ومسؤول. والعائلة هي مكان تكاثر الحياة بالمعنى الواسع، أي تكاثر الجنس البشريّ، وهي أيضًا مكان مساندة وتوجيه من أجل بناء مجتمع قائم على الالتزام. وهي المكان الّذي تتمّ فيه، بتضامن، تلبية احتياجات تحقيق الذات، لاسيّما على الصعيد الاقتصاديّ. ويدور كلّ ذلك حول محور الحياة الروحيّة، الّتي هي عنصر تداخل الخبرة العائليّة  بأكملها.

 

 

مفاتيح إيماننا لفهم الانتماء إلى جماعة الحياة المسيحيّة

 

أ‌)         "امتلأوا جميعهم من الروح القدس" (أعمال الرسل2: 1-11). يبدأ الانتماء إلى جماعة الحياة المسيحيّة من اليقين بقوّة الله الحيّ الّذي يملأ حياتنا. أي أنّنا نعترف بحضور الروح المحبّ الّذي يجعلنا نستنتج أنّ حبّ الله هو قوّة مُحَوِّلة تساندنا طوال حياتنا. فترتكز هويّتنا على اليقين بأنّ الله يسكن فينا، بالرغم من محدوديّاتنا، ولأجل حبّه نحن مدعوّون لأن نكون جزءًا من هذه الجماعة الكبيرة، جماعة من الرجال والنساء الّذين يشهدون لهذا الحبّ (م.ع.2). 

 

 ب‌)       "أنظروا كيف يحبّون بعضهم البعض! وكان جميع الّذين آمنوا جماعةً واحدةً، يجعلون كلّ شيءٍ مشترَكًا بينهم، ... يتقاسمون، على قدر احتياج كلٍّ منهم" (أعمال الرسل2: 42-47). إنّ خبرتنا مع الله تُطابِق أيضًا إدراكَنا بأنّ الله ذاته جعل نفسه واحدًا منّا. فتجسُّد يسوع هو العنصر الأساسيّ لدعوتنا كمسيحيّين وكأعضاء في جماعة الحياة المسيحيّة. فهذا الواقع هو الّذي يجعلنا نفهم معنى أن نكون جماعة. والانتماء إلى الجماعة هو أبعد من الشكليّات، إذ أنّه مَرئيّ من خلال الحبّ العميق، والالتزام، والتضامن والمساندة المشتركة الّتي نستنتجها في خبرتنا الجماعيّة (م.ع.7). 

 

ت‌)     "أرسلهم الربّ اثنين اثنين قائلاً: الحصاد كثير والفعلة قليلون" (لوقا10: 1-5). وبالتالي، فإنّ شعور الانتماء المنسوج بالهويّة الّتي يمنحنا إيّاها اليقين بأنّنا نملك فينا روحَ الله، والّذي يؤكّده التعبير الجَماعيّ عن تضامن وأخُوّة مُحِبَّة، يجب أن يصبح ملموسًا في الرسالة الّتي تجعلنا نلتقي بالاحتياجات الأكثر إلحاحًا في  عالمنا. انتماؤنا هو التزام ملموس بالذهاب نحو أفقر الفقراء. يرسلنا المسيح جَماعيًّا لنعمل على بناء ملكوته. لذلك، يجب أن تكون الهيكليّات وتنشئتنا كلّها، وعمليّة انتمائنا إلى جماعة الحياة المسيحيّة، موجّهةً دائمًا نحو الرسالة والالتزام في الواقع (م.ع.8). عندها فقط نصبح أعضاءً كاملي العُضويّة. 

 

 

ندعو الجماعة الآن إلى اتّخاذ "وقتٍ ثانٍ للتفكير" انطلاقًا من الأسئلة الآتية:

 

أ‌)         ما هي خبرتي في اكتشاف إله محبّ، وفي اكتشاف قوّة روحه في حياتي كمسيحيّ وكعضو في جماعة الحياة المسيحيّة؟ (كيف اكتشفت إلهًا محبًّا؟)

 

ب‌)     ما هي أهمّ الأمثلة الّتي عشناها في جماعة الحياة المسيحيّة كخبرة جَماعيّة (من حيث التضامن والأخوّة)؟

 

ت‌)     بصفتنا أعضاء جماعة الحياة المسيحيّة، مُرسَلين لبناء الملكوت، كيف أجبنا عن التزامنا الرسوليّ تجاه الأكثر فقرًا؟

 

وأخيرًا، انطلاقًا من هذه المفاتيح الثلاثة، كيف نفهم معنى الالتزام؟    

   

 

نرجو جمع الأفكار والتعليقات والصور لاحتفال اليوم العالميّ لجماعة الحياة المسيحيّة لسنة 2012، وتحضير وثيقة بمساعدة الجماعات المحلّيّة، وإرسالها إلى المجلس التنفيذيّ العالميّ   [email protected]    لوضعها على الموقع الإلكترونيّ     www.cvx-clc.net.

 

في النهاية، نشكر أمَّنا مريم على شهادتها الحيّة لمعنى الالتزام الحيّ والمجّانيّ والمحبّ. فمثالها يسمح لنا بالدخول ببطء في عمليّة ترمي إلى إعطاء التزامنا في جماعة الحياة المسيحيّة كلّ ملئه وكلّ مداه. وشهادتها تؤكّد ما يظهر واضحًا في الأفق، إذ أنّها ستسمح لنا بعيش التزامنا كجسد رسوليّ علمانيّ بشكل أعمق.     

      

 

موريسيو لوبيز أوروبيزا                                                  لويس كامبل

مستشار                                                                   مستشارة