كما يُرسلني الآب

بقلم الأب هانس بوتمان اليسوعيّ

علينا أن نُدرِك ما هو المطلوب من شخص يقول: " إنّ المسيح قام حقاً ". هل سنُصدّقه في حال كانت أبواب حياته مُغلقة خوفاً من المستقبل ويفكّر بمرارة في خيبات الأمل وجراحات الماضي؟ بالتأكيد لا.

 لهذا واجه الربّ القائم من الموت صعوبة في مشاركة رُسُله فرح قيامته، وصعوبة أن يجعلهم شهود عيان مقتنعين بذلك. فإنجيل اليوم يبيّن لنا كيف أنّ يسوع القائم من بين الأموات يجعلهم يعبرون من الموت إلى الحياة؛ وكيف يساعدهم على الخروج من قبورهم.

1 - من الخوف إلى السلام

" السلام عليكم "، تبدو هذه العبارة وكأنّها سلام عادي. ولكن عندما تُكرّر مرتين خارجةً من فم ذلك الذي غلب الموت، يصبح لهذا السلام تأثيرٌ خاصّ. فيسوع يبدأ بتهدئة الخوف الذي يسكن قلب أصدقائه: لتمتلئ قلوبكم بالسلام؛ لا تخافوا، لقد غلبتُ العالم ! الحياة أقوى من الموت.

2 - من الجراح إلى ينابيع الحياة

لكي يدعم هذه الرغبة ويساعدهم على التخلّص من خوفهم، يُريهم يسوع جراحهُ؛ حتّى إنّه، في وقتِ لاحق مع توما، يدعونا إلى لمسها. أنظُر إلى جراحي وافهم أنّ التعرُّض للجراح ليس عيباً. هل يمكننا أن نُحبّ دون أن نتعرّض للإصابة بجراح ؟ هل القيامة ممكنة بدون جراح ؟ قد يكون من المُخذي أن لا تكون لدينا جراح؛ لأنّ علينا حينئذٍ أن نتساءل هل أحببنا بقدرٍ كافٍ. إني أدعوكَ اليوم إلى أن تضُمَّ جراحاتك وخيباتكَ في الحب إلى جراحي، وسأجعل منها ينابيع حياة. وبقوّة قيامتي، سأُحوّل مرارتك إلى فرح الحُب وبهجة الحياة.

3 - من الانغلاق إلى الرسالة

وما إن يتحوّل الخوف إلى سلام وتُصبح الجراح علامات حُب، حتى يفتح لهم المسيح القائم من الموت الأبوب المُغلقة ويُرسلهم ليذهبوا إلى هذا العالم " الشرير والمُرعِب "، ليحملوا إليه شهادتهم بقيامته " كما أرسلني الآب، أُرسلكم أنا أيضاً ".

وأمام ترددهم، ومخاوفهم من كل تيارات الشك، المخاطر والاضطهادات التي سيواجهونها، يُعطيهم يسوع من عنده ما هو ضدّ- التيار، نفخة لن يتمكّن أحد من مقاومتها: " خُذوا الروح القدس " واذهبوا في هذا العالم مُسلّحين " بقوّتي التّي من العُلى " الّتي ستجعلكم شهوداً حتّى أقاصي الأرض " (أع 1: 8).

4 - من عدم الإيمان إلى الإيمان

ها هم يذهبون مُشدّدون بهذه النفخة، وقد شُفيوا من مخاوفهم ومرارتهم. وأوّل مَن التقوا به كان واحداً منهم: توما، التوأم. لا نعلم هل كان لديه أخٌ توأم؛ لا نعلم هل كان لديه نوع من الازدواجيّة في شخصيّته. يمكننا أن نتخيّل أنّه ابتعد عن مجموعة أصدقائه هذه، الذين تسلّط عليهم حزنُ عميق. وربّما رؤيتهم الآن والحياة والسعادة تملآنهم جعلته يتعجّب أو حتى يشعر بالانزعاج: " إن لم أضع يدي في جنبه، لن أؤمن ". ولعلّه نظر إليهم كمجموعة من الأغبياء. لقد تصارع مع نفسه لمدة ثمانبة أيام قبل أن يقرّر العودة لينضمَّ إلى المجموعة. وعندما عاد إلى جماعة المؤمنين، عادت الحياة وظهر له يسوع،.والآن، يمكنه أن يساعده على الخروج من قبر هُزاله ليُصبح شاهداً للقيامة. إننا نجد عند توما، غير المؤمن، أروع اعتراف بالإيمان: "ربّي وإلهي ". لقد قام غير المؤمن من بين الأموات ليُصبح رسولاً تملأه الشجاعة، وليحملَ إيمان مُعلمه حتى بلاد الهند.

مع إنجيل هذا الأحد، هل نستطيع أن نفتح أبوابنا ونتخلى عن مرارتنا لنقول:

" إنّ المسيح، حقاً قام "؟

نشرت على موقع الآباء اليسوعيين في الشرق الأوسط