انتظار الروح

بقلم الأب هانس بوتمان اليسوعيّ.

يقع هذا الأحد السابع بعد الفصح في قلب تساعية العنصرة، ولا يمكننا إلا أن ننضَم إلى جماعة الرسُل، في العليّة، المجتمعين حول مريم (والمناسب تماماً لشهر أيار الحالي المُكرَّس لمريم).

لقد عادوا فاجتمعوا كلهم في هذا المكان بعد أن غادرهم يسوع. كانوا حزينين وفرحين، متأهبين لنيل قوّة من العُلى، قوّة الروح القدس، التي ستجعل منهم شهوداً للقيامة، حتى أقاصي الأرض. لقد اجتمعوا هنا، بقلبٍ واحد، مواظبين على الصلاة، حول مريم ...

كان رحيل يسوع، صعوده إلى السماء، مؤلماً ومُعزيّاً في الوقت ذاته. رحيله لم يكن نهاية حضوره بينهم، بل كان نقطة الانطلاق إلى حضورٍ آخر، مُغاير، أقرب وأعمق. لقد قال لهم ذلك بنفسه، خلال العشاء الأخير: "إنه خيرٌ لكم أن أذهب، فإن لم أذهب، لا يأتيكم المؤيّد، أما إذا ذهبت فأُرسلهُ لكم" (يو 16: 7).

لماذا كان الفراق هو الثمن لهذا الحضور؟ لقد قال "رابوني" لمريم المجدلية: "لا تمسُكيني" (يو 20: 17). لكي نكون فعلاً حاضرين، واحدنا للآخر، يجب أن أذهب لأُرسل لكم الروح، وعليكِ أن تذهبي إلى إخوتكِ لتبشّريهم بالسر المؤلم والفرِح لحضوري في هذا الغياب. سنكون أقُرب لبعضِنا البعض، بالروح نفسه  الساكن فينا، من أن نكون جنباً إلى جنب. وبروحي، سوف لن أكون فقط بقربك، وإنما سأسكن فيكِ.

لقد فهم الرسُل هذه الحقيقة، حقيقة الحضور في الغياب، وإلا كيف يمكننا أن نُفسّر كيف استطاعوا أن يرجعوا إلى أورشليم وهم في فرحٍ عظيم (لو 24: 52)؟ هاءنذا معكم طوال الأيام وفي كل مكان، بقوّة وحضور روحي القدوس.

يجب أن نتأمّل في هذا الأحد بتلك الجماعة من التلاميذ (رجالاً ونساءً!) الحاضرين هنا بفرح، مجتمعين حول مريم، بقلبٍ واحد، مواظبين على الصلاة (أع 1: 14). إن قراءة أعمال الرسل (1: 15 ... 26) تدعونا لكي نتساءل مع الرسل: مَن سيكون "شاهداً معنا على القيامة"؟ واليوم هل ستقع القرعة عليكَ أم عليَّ، لننضمّ إلى الرسُل الأحد عشر ونُصبح شهوداً فرحين وأقوياء لقيامة يسوع.

لنضع أنفسنا بتواضع بموقف الانتظار هذا، ولا نُخطئ إلى الروح، - وهي الخطيئة الأكثر انتشاراً في يومنا هذا. فنحن نعيش في عالم يظن أنه يمكنه الاستغناء عن الروح القدس ويعيش في وهم يجعله يعتقد بأنه يستطيع أن يفهم بنفسه كل شيء.

لنكُن قلباً واحداً، لأن الانقسام موجود، ولا يمكن للروح أن يقوم بعمله، لنكن مواظبين على الصلاة، لأن الروح لا يمكنه أن يأتي إلا لمن ينتظرونه بتواضع، ولننظر إلى مريم، لنتعلم منها كيف يمكن للروح أن يُظللنا، كما ظلل العذراء عندما أجابت "ها أنا أمَةُ الربّ" (لو 1: 35-38).

هذا الروح هو الذي سيحقق فينا، وفي الكنيسة، وحتى في مجتمعنا، النِعَم الثلاث التي طلبها يسوع من أبيه في إنجيل اليوم (يو 17: 11-19)، أثناء العشاء الأخير: "ليكونوا واحداُ كما نحن واحد، ليكون فيهم فرحي، ليكونوا مُكرَّسين للحق".

هل هناك طلب نعمة أكثر روعةً، وأكثر ضرورةً، من الطلب من أجل الجماعة المسيحية الأولى وجماعات الألف الثالثة، بأن يكونوا واحداً، أن يحصلوا على ملء الفرح، وأن يكونوا مُكرَّسين للحق؟ لأجل ذلك طلب منهم يسوع أن لا يُغادروا أورشليم (لو 24: 49) قبل أن ينالوا روح الوحدة، الفرح، والحق.

 نشرت على موقع الآباء اليسوعيين في الشرق الأوسط