بقلم فريق عمل عالمي عن مقال مترجم من مجلة Progressio – المجلة الرسمية لرفاق الكرمة العالمية
إن المسيحية انتماء إلى شعب، كان وما زال يعلم أنه مدعو من الله الآب لمواصلة عمل المسيح يسوع. والإيمان هو استجابتنا لهذا النداء وذلك بالانتماء إلى الجماعة التي تتبع المسيح. هذا هو المعنى الحقيقي للعماد: الانتقال من حياة محورها الأساسي أنفسنا – بما فيها من معايير ومشاريع شخصية – إلى حياة الجماعة التي تدرك مغفرة الله لها، وتريد أن تتبع المسيح يسوع، وأن تشارك في عمله في التاريخ ألا وهو إعلان ملكوت الله الذي هو عطية من الله ذاته وتعميق وجود هذا الملكوت في الحاضر.
وأثناء خدمته على الأرض طالب المسيح ممن يتلقون رسالته باتخاذ موقفين أساسيين: قبول البشارة بالملكوت والمشاركة في إعلانها. ، إن ملكوت الله في داخل الإنسان، في المحبة والتسامح وتحرير الفقراء والمهملين والمضطهدين ومتواضعي القلب. وقد طلب المسيح ممن قبلوا البشرى بالملكوت واهتدوا إليه، منفتحين على الحقيقة الجديدة التي عرضها، طلب منهم أن يتبعوه وأن يقتدوا به كي يبشروا غيرهم بمجيء ملكوت الله، وذلك بأفعال وكلمات. تستلزم المسيحية إذًا توبة وقبول لمحبة ولمغفرته، اللتين تجسدتا في أفعال وأقوال المسيح، وذلك يتبعه استعداد للخدمة ولاتّباع المسيح واستبطان لاختياراته الأساسية.
عاش المسيح للرسالة التي تلقاها من الآب
عاش المسيح للرسالة التي تلقها من الآب والتي تممها كابن، لقد أعلن المسيح مرارًا أنه لا يعمل مشيئته بل مشيئة الآب وأن طعامه هو أن يعمل إرادة أبيه. فالمسيح هو نقيض من يعيش مكتفيًا بذاته مدركًا تمامًا ما هو الخير وما هو الشر وكأنه يدعو نفسه بل يخطط لدعوته.
المسيح يعلن عمل الآب في التاريخ
يعلن المسيح العمل الذي يتممه وسوف يتممه الآب في التاريخ، لقد قال المسيح إن ملكوت الله آت وإنه أتى بالفعل، ولكنه يعلنه كعطية من الآب لا كعمل قام به البشر وحدهم بدون الله.
المسيحية هي إذًا انتظار كمال ملكوت الله ومجيئه ويعتبر المسيحي رجل رجاء لا يتزعزع فهو الذي يأمل دائمًا في ما هو أكثر وأفضل من الوضع الحالي ويكافح من أجل مجيء هذا العالم الجديد.
المسيح يتقبل حدود التجسد
قَبِل المسيح – في سبيل تحقيق الرسالة التي سلمها له الآب – أن يتجسد في شكل مادي وأن يتقبل الحدود التي ستنجم عن ذلك. لقد قبل المسيح الحدود التي فرضها عليه عصر وثقافة وجنس وبلد، لكي يعلن التحرر لكل البشر ويحققه. المسيحية هي إذًا نداء لكي نعيش زمننا وثقافتنا، نداء للتعرف بعمق على مشاكل بلدنا ولقبول حدودنا تاريخيًا وزمنيًا. أما محاولة "تمشية الحال" والحياة في عالم نرى أنه لا يتمشى مع حقيقتنا. أمر بعيد كل البعد عن متابعة مسيرة المسيح، التي هي نداء لأن نلتزم بشدة في عالمنا بجميع توتراته واضطراباته.
المسيح يعلن تفضيل الآب للفقراء
أعلن المسيح تفضيل الآب للفقراء والمهملين والمحتقرين في هذا العالم، وأنه يعمل بموجب ذلك. يقف المسيح وقفة واضحة إلى جانب الفقراء ويعلن أنهم أول المدعوين إلى الملكوت. ولتحقيق هذا وجب على المسيح أن يحل حالة المجتمع في عصره ويكتشف من هم الفقراء والمهملين. وبالفعل فقد شاركهم المصير نفسه. فقر كان من بلدة صغيرة – الناصرة – ابنًا لنجار بسيط صغير. وإذا كنا نريد أن نكون أمناء لاختيارات المسيح. علينا أن نكتشف في مجتمعنا ما هي الهياكل الاجتماعية والاقتصادية المؤدية إلى هامشية بعض الفئات وإهمالهم.
المسيح يعلن التحرر بأعمال وأقوال فعالة
سمة أخرى من سمات المسيح هي أنه يعلن – بواسطة أقوال وأعمال – التحرير الذي يأتي به ملكوت الله. لقد كان المسيح مبدعًا في اكتشافه للاضطهادات الحقيقية في زمنه وفي القيام بالأعمال التي تشهد عن وجود الملكوت: شفاء المرضى وهدم الحواجز الدينية واستقبال الخطأة ومغفرة خطاياهم... إلخ. تتطلب المسيحية منا اليوم اكتشاف وتحقيق الأعمال التحريرية التي تشهد على أن ملكوت الله ما يزال يعمل في تاريخنا. وتتجنب أن تكون شهادتنا مجرد كلام أجوف. فالثقة الكاملة في وجود الله الحي في تاريخنا يجب أن تدفعنا لأن نكون باستمرار واسعي الخيال ومبدعين وذوي جرأة في البحث عن العلامات التي تثبت لإخوتنا البشر أن الله يريد تحريرهم من كل ما يستعبدهم وأنه يعمل في سبيل ذلك. وعلينا أيضًا أن نساعدهم على إدراك هذه العلامات. فنتساءل دائمًا ما هي الأعمال الأكثر فاعلية لكي يتحقق ملكوت الله اليوم.
المسيح يقبل صور الصراع التي قد تنجم عن رسالته
المسيح أمين على الرسالة التي أعطاها إياه الآب وهو متحمس لعمل الآب ولا يخشى المشاكل الناتجة عن تنفيذه. فالمسيح يدرك أن العمل على تحرير المظلومين أمر من شأنه الإضرار بالظالمين بصورة أو أخرى. فالمسيح لم يسعَ إلى الموت وأيضًا لم يترك الرسالة خوفًا منه، ولذا يجب على المسيحي أن يبحث عن الحرية الداخلية العميقة التي تساعده على بذل حياته في اتباعه للمسيح.
المسيح يعرض التحرر ولا يفرضه
لا يفرض المسيح اختياره للملكوت وللتحرير على الناس بواسطة سلطة دينية أو سياسية. بل يقدم طريقًا يحترم حرية البشر ويساعدهم على النمو. فقد اختار المسيح أن يكون خادمًا للآخرين على أن يكون رجل سلطة.
طلب المسيحية أن نحاول الوصول إلى وضوح للرؤية وأن نميّز باستمرار لنعرف بأي طريقة يمكن أن نعلن عمل الملكوت بيننا ونشهد عنه، فنحدد شكل علاقتنا بالسلطة وكيف نستعملها.
الخاتمة
كيف نعمل اليوم ما فعله المسيح؟ كيف ندخل بعمق في التاريخ ونغيره؟ إن هذا لا يعني بالطبع القيام بما عمله المسيح بالضبط إذ أنه بهذه الطريقة نضع أنفسنا في قالبه ولا قالبنا، ونفسد ديناميكية التجسد. ولا يعني ذلك أيضًا أن نتخذ رؤيته نفسها للعالم وللتاريخ، فتلك الرؤية وليدة فترة ما، بل علينا أن ننتهج أسلوبه وننحاز لاختياراته الأساسية، فنترجمها لتتوافق مع وضعنا الشخصي.
وقد نُشر المقال المترجم في مجلة رفاق الكرمة في مصر.
وتجدون في ما يلي جدولاً للتأمل الشخصي ومراجعة الحياة. ويصلح أيضًا للمشاركة في مجموعة صغيرة.
مواقف المسيح |
الموقف المسيحي |
الموقف غير المسيحي |
رسالة حياته هي أن يكون ابن الآب (يو 6/38) |
الإصغاء إلى الله كأبناء – الاستعداد |
اتباع المرء لإرادته وأهوائه |
يتجسد في واقع محدد (مر 6/16) |
الالتزام في واقعنا المحدود |
شمولية زائفة |
الإنسان عنده أهم من السبت (يو 8/1) |
تنمية كرامة الفرد – اعتبار الآخر الغاية لا الوسيلة |
الاهتمام بالإيديولوجية على حساب الإنسان – شرعوية |
يظهر حبًا تفضيليًا للفقراء (لو 14/15 – 24) |
اكتشاف من هم الفقراء حولنا، وعيش محبة حقيقية تجاهم |
مسيحيّة مجردّة تتجاهل حاجات الآخرين |
يعلن البشرى للفقراء والمقهورين (لو 4/16) |
البحث عن البشرى في فقرنا الشخصي |
اكتفاء بالذات – الرغبة في التحكم حياتي وعالمي الصغير |
يعلن الحرية بأقوال وأفعال (يو 14/42) |
البحث عن أساليب للتحرير |
الكلام عن المحبة والعدالة بلا عمل |
يعرض التحرير ولا يفرضه (يو 14/ 42) |
عرض خدماتنا في احترام لحرية الآخر |
تحكم في الآخرين – الاهتمام بتجنيد الآخرين |
يعلن أن البشر والحيوانات وجميع الأشياء نقية في ذاتها، فإنما الدنس يأتي من القلب (متى 15/10 – 20) |
نطلب من الله قلبًا نقيًا وحرًا، ونعمل بموجب هذا |
اتباع الشريعة حرفيًا، وإنكار رغبات القلب وميوله |
يوحّد الأبناء البعيدين بسبب الخطيئة (يو 17/21– 23) |
نكون أداة في سبيل الوحدة والمصالحة والسلام |
نقد سلبي وهدّام يخلق الانقسامات والغيرة والعَدَاوات |