إغناطيوس وقيامة المسيح

بقلم الأب أوليفر برج أوليفييه

"بعد أن قام المسيح من القبر، ظهر بالنفس والجسد لأمه المباركة". (كتاب الرياضات الروحية – رقم 219)

"أطلب ما أريد، وهنا أطلب النعمة لكي أشعر شعوراً شديداً بالابتهاج والفرح لكل ما للمسيح ربنا من مجد وفرح" (كتاب الرياضات الروحية – رقم 221).

إن أردنا الحديث عن إغناطيوس والقيامة، يجب أن نبحث في ذلك الكم الضئيل الموجود في كتاب الرياضات الروحية، لأنه لا يوجد أي ذكر للقيامة في سيرة إغناطيوس الذاتية. ولذلك فسنجد أنفسنا في هذا المقال بين ضفتي كتاب الرياضات الروحية.

يقسّم إغناطيوس كتاب الرياضات إلى 4 أسابيع. الأسبوع الأول يدور حول اكتشاف الخطيئة ورحمة الله. أما الثاني فهو يأخذنا إلى مشاهدة أسرار حياة المسيح ويمضي بنا من التجسد والميلاد وحتى أحد الشعانين. ويتناول الأسبوع الثالث العشاء السري وحتى الصليب، وأخيراً، يتناول الأسبوع الرابع القيامة وحتى الصعود.

ولكن في الواقع، لا يفصّل إغناطيوس في هذا الأسبوع الرابع إلا مشاهدة واحدة، ألا وهي ظهور المسيح لأمه (الرياضات الروحية 218 – 225). لماذا اختار إغناطيوس هذه المشاهدة مع أنه لا يوجد لها سند في الإنجيل ؟

لماذا مريم العذراء؟

إن فرح القائم من بين الأموات، التي نحن مدعوون إلى الاشتراك فيه، هو فرح تحرير العالم. ذلك العالم الذي كان خاضعاً للشيطان، وها هو الآن يستعيد بقوة علامة حياة النعمة الإلهية في المسيح. في هذا الوقت بالذات، الذي اكتمل فيه الفصح، تجد البشرية المخلصة نفسها حرة لقبول الحب والرد عليه بالحب أيضاً. ويتمثل قبول هذه البشرية لسر الخلاص في الرد المتواضع لمريم "الممتلئة نعمة": "ليكن لي بحسب قولك".

وتمثل مريم هذه الإنسانية المجددة التي يستقبلها الرب ويحتضنها في فرحة النصر. ذلك لأن مريم قالت "نعم" لعطاء الحياة الالهي. وتمثل مريم – تلك المرأة المتواضعة والسعيدة – البشرية جمعاء وتقدمها إلى الحب الإلهي.

بالنسبة للمسيح، ليس فرح القيامة فرح من عاد إلى التنفس ومن وجد الحياة من جديد، بل هو فرح من يقدم حياته للبشرية المجددة والمحررة، هذه الحياة التي يمكن للبشرية الآن أن تستقبلها في كل كمالها.

"في حبه المنتصر، لم يكن المسيح يستطيع أن يقدم حياته لمخلوقات غير قادرة على الحب، لم يكن يستطيع أن يعطيها مباشرة لمن لم يتخط إيمانهم بعد الحواجز الأخيرة. كانت مريم وحدها تنتظر هذا الظهور، فهي ابنة صهيون، "حواء" الجديدة. لقد ظهر المسيح في ظهوره لمريم إلى كل الخليقة الجديدة وإلى الكنيسة الجامعة المولودة في ذلك اليوم" (جيل كيسون).

تقف مريم على رأس البشرية المجددة عروس المسيح، فمريم هي الرابطة الأولى التي لا يمكن الاستغناء عنها بين إنسانية المسيح وإنسانيتنا. فهي أول من مثل إنسانيتنا أمامه. ومن المستحيل ألا تكون مريم "أم المؤمنين" أول النفوس المخلصة، بل وكما قلنا تسير أمامهم نحو القلب الممجد للمسيح، نحو ذراعيه المفتوحين لاستقبال البشرية التي اشتراها بثمن دمه.

الظهورات الأخرى

يقترح إغناطيوس أيضاً 10 مشاهدات أخرى، ولكنه لا يفصّلها (الرياضات الروحية 299 – 311): الظهورات الخمسة الأولى هي لأفراد أو عدد قليل من الأفراد. وهم الأشخاص الذين كانوا بالقرب من المسيح وقت آلامه: مريم أمه، والمريمات الأخريات، بطرس، ويوحنا، وتلميذي عمواس. أما المجموعة الثانية فهي من خمسة ظهورات أيضاً، ولكنها لمجموعات كبيرة: التلاميذ، والخمسمائة أخ... إلخ. فما هو معنى هذه الظهورات؟ ما الذي يريد إغناطيوس أن يقوله؟

في الظهورات الخمسة الأولى، يريد إغناطيوس أن يذكرنا بالوعد الذي قطعه الملك في مشاهدة "دعوة الملك": "من أراد أن يأتي معي فعليه أن يكد معي، حتى اذا ما تبعني في العذاب تبعني أيضا في المجد". (الرياضات الروحية – رقم 95).

فالمسيح القائم من بين الأموات هو "المعزّي" الذي يعطينا الروح القدس (الرياضات الروحية – رقم 224، ويو 14/ 16). تذكرنا هذه المشاهدات بأنه إن تألمنا، إن اشتركنا في آلام المسيح، إن كنا بالقرب منه على الصليب فسيعزينا. وكما قال بولس الرسول: "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته، لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات"    (في 3/ 10 – 11).

أما المجموعة الثانية من الظهورات، فتقدم لنا الكنيسة كمكان للتعزية حيث يلتقي المسيحي بالمسيح القائم من الأموات. ويقول لنا إغناطيوس : "يجب ألا نبحث في الحياة الراهنة عن أية تعزية أخرى أو أي ضمان إلا إن كان في اتحاد بالكنيسة والتي معها يجب أن نشعر".

هذا الفرح ليس ظاهرة نفسية ولا هو ثمرة مجهود إرادي، بل هو هبة: هبة من المسيح بواسطة الروح، نعمة نتلقاها في الكنيسة وبواسطتها.

للتأمل الشخصي

1) إن كان فرح القيامة ثمرة وعد الملك، فهو فرح من كانوا بالقرب من المسيح على الصليب، فأين مكاني من المسيح المتألم؟ على أي مستوى أشارك في آلام المسيح؟ كيف أعيش الآلام في حياتي وفي العالم الذي يحيط بي (حرب، مرض، فشل، إعاقات...)؟

2) إن كانت قيامة المسيح حية اليوم في داخلي، فكيف أعيشها عملياً؟ كيف أشهد للمسيح القائم من بين الأموات؟ كيف أحمل البشرى السارة أن "المسيح قام حقاً"؟

3) ما هي علاقتي بالكنيسة؟ هل هي مكان تعزية بالنسبة لي؟ هل هي مكان لقاء بالمسيح القائم من الأموات؟ كيف ذلك؟