لا داعي لأسلوب مميز في الصلاة... بشرط

لا داعي لأسلوب مميز في الصلاة... بشرط

بقلم الأب فرنسيس بركماير اليسوعي

إن أسلوب الصلاة بالنسبة لإغناطيوس مجرد وسيلة قد تساعد أو قد لا تساعد على إدراك الهدف الأساسي لحياة المسيحي الملتزم يعني المزيد من المشاركة في رسالة المسيح. فعلى الشخص – بمساعدة مرشده الروحي – أن يبحث دائمًا على ما هو أنسب أسلوب يساعده على التقدم الروحي انطلاقًا من حالته وأوضاعه الراهنة. فإن لإغناطيوس إحساسًا خاصًا بالواقع، فلذلك أعطى النصيحة التالية للراهبة تريزا ريجاديل "كل تأمل يستخدم فيه العقل يتعب الجسد، فهناك أساليب أخرى للتأمل قد تهدئ العقل ولا تجهد القدرات الذهنية الأخرى، بل تقومين بها بدون مجهود باطني أو خارجي، فإنها لا تتعب الجسد بل تريحه". فهكذا يحذرنا إغناطيوس من التجمد في عاداتنا وتقاليدنا الروحية لأن ظروف الحياة تتغير، من فترة إلى فترة ومن شخص إلى شخص. فلابد أن يقيّم المرء دائمًا من جديد أسلوبه العادي للصلاة، على ضوء إن كان يوافقه أم لا في وسط تغيرات ظروفه الحياتية في سبيل مزيد من الفائدة الروحية.ومع ذلك لا داعي للتشتت بين العديد من الأساليب المختلفة أو الترحيب – بسرعة وبدون تمييز – بكل ما هو جديد، لأننا لا نستطيع أن نميّز إلى أي مدى هذا الأسلوب أم ذلك أنسب لنا إلا بعد مدة طويلة من التعود والمواظبة ومن خلال تمييز حالاتنا المختلفة من تعزية وانقباض.

وأخيرًا ليست الخبرة الحقيقة في الصلاة نتيجة جهودنا الشخصية على قدر ما هي هبة من الله، فالقديس بولس يعبر عن ذلك: "ويجيء الروح أيضًا لنجدة ضعفنا، فنحن لا نعرف كيف نصلّي كما يجب، ولكن الروح يشفع لنا عند الله بأنات لا توصف. والله الذي يرى ما في القلوب يعرف ما يريده وكيف يشفع للقديسين بما يوافق مشيئته" (روم 8/26: 27).

وسنستعرض الآن بعض النصائح والتوجهيات عن الصلاة وطرقها التي نجدها في تراث الروحانية الإغناطية بالترتيب الآتي:
أ‌- التهيئة قبل الصلاة
ب‌- أنماط أو أساليب للصلاة عند إغناطيوس
جـ- خطوات عامة للصلاة أيًا كان اسلوبها

أ‌- التهيئة قبل الصلاة

من المهم جدًا على من يريد أن يصلي أن يهيئ نفسه من حيث اختيار:
1- الميعاد ومدة الصلاة
2- المكان المناسب للصلاة
3- الوضع الجسماني
4- نقطة انطلاق الصلاة
5- أسلوب الصلاة

1- الميعاد ومدة الصلاة

نلاحظ أن بعض الناس يفضلون الصلاة بالليل والبعض الآخر في الصبح والبعض الآخر أثناء راحة الظهر. فالمعيار لاختيار الوقت المناسب لشخص ما هو أن يساعده أكثر على قبول حضور الله في حياته. وبغض النظر عن اختيار الميعاد المناسب للصلاة يلحّ القديس إغناطيوس على أهمية تحديد مدة الصلاة والتمسك بها مهما اختبرنا من لحظات جفاف أثناء الصلاة، ويرجع تحديد المدة إلى تمييز احتياجات الشخص نفسه بإرشاد الروح القدس وبمساعدة المرشد (ق . ت رقم 582). ولكن سواء حددنا ساعة كاملة أم 5 دقائق، فعلينا أن نتمسك بهذه المدة مهما عانينا من الجفاف أو التشتت أو النعاس، فقد يعتبر الجفاف نفسه صلاة للنفس التي تعطش إلى الرب.

2- المكان المناسب للصلاة

علينا أن نختار مكانًا هادئًا في المنزل أو في الكنيسة أو في الطبيعة، فالمهم أن نبحث عن مكان يساعدنا على التركيز والإصغاء، فكلما اتّسم مكان الصلاة بلمسة من الجمال والهدوء ساعدنا على الدخول إلى أعماق الذات والانفتاح على حضور الله فينا، فلذلك يستحسن البعض أن يجهزوا ركنًا خاصًا بالصلاة في حجرتهم، مزين بصور ملائمة مثل الأيقونات. ويحبذ ألا نغيّر المكان أثناء الصلاة خوفًا من عدم التركيز أو قطع الهدوء، إلا إذا اتضح أن التركيز صار مستحيلاً في المكان الذي ابتدأنا فيه الصلاة.

3- الوضع الجسماني

نلاحظ عند إغناطيوس مرونة فائقة بخصوص الوضع الجسماني أثناء الصلاة. فالمهم عنده أن يجد المرء ما يريد من النعمة (ر. ر. 76). وربما أفضل وضع جسماني للشخص هو ذلك الذي يساعده على الاسترخاء والتركيز في آن واحد. وعلى العموم لا داع لتغيير الوضع الجسماني أثناء الصلاة حفاظًا على التركيز، ولكن بدون أي نوع من التشنج أو التوتر. فإذا لاحظنا أثناء الصلاة أن الوضع الجسماني يسبب نوعًا من التوتر الداخلي يستحسن أن نغيره بكل هدوء حتى نجد فيه ما نريد.

4- نقطة انطلاق الصلاة

من مسلمات الإيمان أن الإنسان لا يستطيع أن يرى الله وجهًا لوجه حتى إنه يموت حتمًا إن رأى الله أو سمعه، "أمّا وجهي. فلا تستطيع أن تراه لأنه لا يراني الإنسان ويحيا" (خر 33/20)، "لا أحد رأى الآب، من جاء من عند الله هو الذي رأى الآب" (يو 6/48). ومع ذلك يعطش الإنسان من أعماق كيانه إلى أن يرى الله وجهًا لوجه وأن يسمع صوته كما نلاحظ في المزامير: "إليك إلى الإله الحي عطشت نفسي فمتى آجيء وأرى وجه الله" (مز 42/3). فلذلك يشعر الإنسان في نفسه بخوف عميق أن يطرحه الله من أمام وجهه: "بسطت يدي إليك ونفسي أمامك كأرض يابسة، أسرع إلى معونتي يا رب فروحي كلّت في داخلي، لا تحجب وجهك عني فأكون كالهابطين في الجب" (مز 143/6).

يتضح من كل هذه النصوص أن الإنسان يشعر في داخله بميول متناقضة: من ناحية يشتاق إلى أن يلتقي بالله ويراه وجهًا لوجه ويسمع صوته، ومن ناحية أخرى يعرف أن تلبية هذا الاشتياق مستحيلة. فطالما هو على الأرض لا يقدر على أن يرى من الله إلا ظهره (راجع خر 33/20 – 26). أي من خلال آثار أعماله في الخليقة ومن خلال أعماله في التاريخ البشري كما يقول المزمور: "أتذكر الأيام القديمة، فألهج بكل أعمالك، وأتأمل في ما صنعت يداك" (مز 143/5).

ولكن يستحيل أن يقدر الإنسان على رؤية وجه الله، وبالتالي لا يمكن أن يتنبأ بأعمال الله قبل حدوثها. فالله حرّ في ذاته ويفوق توقعات الإنسان في جميع تصرفاته، فلذلك لا يستطيع الإنسان أن يلتقي بالله إلا من خلال المخلوقات من حيث كونها آثار مجد الخالق، فالإنسان الذي يريد أن يصغي إلى صوت الرب عليه أن يبحث عنه في كل ما هو رمز لحضور الرب الخالق. فإني أميّز بين خمسة مستويات مختلفة لحضور الله في حياة الإنسان. وكل واحد منها قد يكون نقطة انطلاق للإنسان الذي ينتظر الله في صلواته:

  • الحياة اليومية الشخصية
  • الطبيعة
  • الكتاب المقدس
  • الكنيسة لأنها جسد المسيح
  • يسوع المسيح

عن مقال نُشر في مجلة رفاق الكرمة