من لم يختبر الله في الضيقة لم يعرفه بعد

من لم يختبر الله في الضيقة لم يعرفه بعد

بقلم شريف رزق الله

 نبحث دائماً عن الإله، نرتكز على معتقداتنا ومفاهيمنا وثوابتنا فى محاولة معرفته لكننا نفشل كثيراً. نصنع صورة لإله في مخيلتنا، ونحاول ان نتخيله فيها، نصاب بالإحباط واليأس فنبدأ في التساؤل عن حقيقة الإيمان وجدوى الاعتقاد: فهل الإيمان حقيقة أم من صنع الإنسان؟

يظل الإنسان في هذه الحيرة حتى يقع في تجربة وجودية حقيقية تعصف بكيانه وتفقده كل ثوابته وتزعزع معتقده. حينئذٍ فقط يستشعر الإنسان هذا الوجود الفائق للطبيعة والمعتقدات والخيالات وكل التصورات، يستشعر الوجود الإلهي الذي لا شك فيه يقول له "أنا هو لا تخافوا".

تصيبه حالة شديدة من الحيرة والارتباك مليئة بالتناقضات: فهو في القاع لكنه غير قلق، في غاية الإحباط لكنه غير يائس، في غاية الضعف لكنه غير خائف. يحاول بعقله ان يفهم ويفسر ما هو فيه فيفشل، في داخله يقين شديد أنه وجد الحقيقة، شعر بها وتلامس معها. لكن هناك ما لا يزال ما يعجز عن فهمه: لِما لا يذهب الحزن؟ لماذا يستمر الضعف؟ ولماذا لا يزول الاكتئاب؟ لماذا لا يستعيد نفسه من جديد كما كانت؟  !!

  الأمر لا يكمن في وجود الله من عدمه، فالله وعده صادق. لكن الأمر يكمن فينا نحن، نحن الذين نضع الحواجز والموانع لكي لا ننال وجوده أو نراه كما هو. نضع تصوراتنا وخيالاتنا ومعتقداتنا عائقاً في سبيل معرفته كما يريد هو لا كما نريد  .

بمرور الوقت يدرك أن هذ الحضور مرتبط بالضيقة، يفهم عندما يشترك مع التلاميذ في مركب يغرق وسط أمواج بحر هائج. لقد أدركوا حقيقة "أنا هو لا تخافوا" بعد ان تلطمتهم الأمواج ويئسوا من انفسهم

  .

في اللاهوت التجريدي - الذي هو من أهم عناصر اللاهوت الشرقي - نتعلم أننا يجب أن ننزه الله عن كل الموجودات والأفكار والتصورات، حتى نصل إلى الظلمة الكلية التي يسكنها الله، حينئذٍ نعرفه بالحب  !!

في تجارب الضيقة الكيانية يدرك الإنسان المعنى الحقيقي لإنكار الذات القسري ويفهم دعوة المخلص "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني  "  .

إن لم ننكر أنفسنا بإرادتنا فلنا في هذه التجارب ما يخرجنا عن ذواتنا عنوة، فنرى مثالاً لما يمكن أن نختبره بشكل متواصل إلى الأبد: الحضور والشركة مع الله. عندما ندرك ذلك تبطل كل الصلوات والطلبات، ويصبح الهم الأساسي هو البقاء في هذه المعية، وتكون الصلاة الوحيدة التي لها معنى هي صلاة يسوع التي نستحضر وجوده بها ونشترك في حياته، ندرك أن غاية الصلاة تتحقق في هذة الطلبة "يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ".

تنحسر التجربة وتقل حدتها فيصرخ الإنسان معترضاً: أيفهم حقاً ما يطلب؟

"فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذٍ نراه وجهاً لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذٍ سأعرف كما عرفت. أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة".