بقلم سمر كرم
منذ بدأت أحداث الثورة والكل يشكو من البلطجة والبلطجية.. خوف مرضي يسود الكثيرين، معظم أصدقائي وأقاربي على أقل تقدير ..
وبالطبع هناك العديد من الحوادث من سرقات وجرائم قتل وغيرها، لكنني لم أقف عند الأحداث الحالية.. وحيث أنني مقيمة في الخارج، فأنا لا أستطيع أن أمنع نفسي من مقارنة الأوضاع بين مصر منذ تركتها ومصر الآن ..
كما أنني الآن، وقد شاهدت نمطاً آخر للحياة، فلا يسعني إلا أن أقارن ...
منذ سنوات وأنا أشعر بالكآبة بعد رحلتي لمصر، وأشعر بشيء من الغربة، ليس مصدره فقط أنني اعتدت حياتي الجديدة بالخارج، لكن مصدراً من مصادره كان شعوري أنني أفتقد "الناس الطبيعية" في مصر.. ولا أقصد هنا إهانة أي شخص، لكني أقصد شعوري بأن مصر أصبحت مقسمة لفئات لا أجد فيها الفئة الوسطى التي كنت أنتمي لها.. فهناك فئة تحت خط الفقر المادي والثقافي.. وهناك فئة تغلق على نفسها في مجتمعات ومدن مغلقة لتتمكن من العيش... وتعيش وكأنها خارج حدود مصر.. ولا تبالي بما يحدث خارج حدودها.
... خروجات الأصدقاء أصبحت تستفزني، لأنني لا أريد أن أنتمي لهذا المجتمع المزيف... غير الأصلي وغير الأصيل. ..
صوت اليأس كان الغالب على معظم من أقابلهم، حتى أكثرهم تفاؤلاً ورضا بالواقع... والرغبة في الهجرة الفعلية – أو الهجرة الداخلية إلى أحد هذه المجتمعات المغلقة – وأريد أن أذكر أهلي وأصدقائي أنهم كانوا يشكون زيادة نسب الجرائم، ويروون القصص عن البواب الذي قتل إحدى السكان، وسرق ما بشقتها ...
حتى الأفلام تغيرت... فشخصياتها غير حقيقية، وكأن كل المصريين يسكنون القصور ويصيفون في مارينا والمشتى في شرم الشيخ ...
كما أن كل واحد مسؤول عن أمانه الشخصي، فلغة كثير من الأفلام الواقعية كانت تؤكد أن البلطجة هي الحل!!! نعم البلطجة...
والشخصيات الأشهر أصبحت خالتي فرنسا، واللمبي وأمثالهمأ، وأصبح الرأي السائد " خد حقك بدراعك عشان مفيش أمل غير كده"!!
عندما كنت أقود سيارتي، كنت أرى كل شخص يريد أن يثبت أنه يمتلك الشارع، وأنه يريدني أن أختفي، لأنني السبب الرئيسي في الازدحام.. كنت أرى البلطجة مع دخولي للمطار، عندما أرى العشرات يمرون أمامي لأن هناك من ينتظرهم ويسهل لهم أمورهم... وكنت أرى البلطجة عندما أقف في طابور، وأشعر أنني هواء... لا أُرى... فالكل يحاول تعدي دوري..
كنت أشاهد مئات البلطجية، بملابس مدنية...
وسؤالي الآن لماذا إذاً تتعجبون من البلطجة؟؟؟ البلطجة هي السلوك الذي أصبح سائداً في مصر منذ سنوات..
فكل شخص يريد أن يختفي الآخر لأنه يزعجه، أو لأنه يستغله...
ولا يجد أحد حرجاً في أن يأخذ حق الآخر، سواء حقه في الطابور، أو في العيش أو في العبور أو في السبر في الشارع أو في الركن...
أليست كل هذه السلوكيات بلطجة يومية؟؟؟؟
لقد قبلنا البلطجة في كل حياتنا، فلماذا نتعجب الآن من وجودها؟؟؟