أنتم شهود على ذلك

بقلم الأب نادر ميشيل اليسوعيّ

بعد العودة إلى أورشليم وسط الليل، يروي تلميذا عمّاوس للرسل ما حدث على الطريق، وكيف رجعا إلى قلبيهما وتذكّرا النار الّتي أشعلها يسوع بداخلهما حين كان يشرح لهما الكتب، وكيف عرفاه عند كسر الخبز. وبينما هما يتكلمان إذ بيسوع يحضر بينهم. فيسوع حاضر مع تلاميذه ووسطهم دائمًا، في بحثهم عن النور وسط الظلمة، وفي مشاركتهم بعضهم بعضًا النور الّذي يضيء قلبهم بكلمته.

يقول لنا لوقا إنّ التلاميذ أخذهم الفزع والخوف عند ظهور يسوع لهم، وحتى حين هدّأ من روعهم ودعاهم إلى السلام، ظلّوا غير مصدّقين من الفرح، ولم يشفع له أيضًا أنّه أكل قطعة من السمك المشوي بمرأى منهم. فما السبيل إذًا إلى الإيمان بالقيامة؟ يُكمل لوقا سرده؛ ويأخذنا في الطريق نفسه الّذي فتحه يسوع أمام تلاميذه. لا نصل لنور القيامة إلا بنعمة القائم من بين الأموات الّذي يفتح الأذهان لنفهم الكتب. وماذا نفهم من الكتب؟ أنّ الحياة أقوى من الموت، ومحبّة الله أكبر من خطيئة البشر وشرّهم. أحبّنا الابن وصار إنسانًا مثلنا ومعنا، اتّحد بنا وصار في طريق حياتنا، فواجه الكذب، والعنف، والكراهية، تعرّض للآلام ومات مصلوبًا، مرذولاً ومتروكًا، ولكنّه ظلّ مؤمنًا واثقًا بمحبّة أبيه الّتي تفوق كلّ فهمٍ وإدراك، وعليه توكّل وسلّم أمره، فأقامه من بين الأموات في اليوم الثالث.

من انتصر على الموت هو من يحكي قصّته مع الألم والموت وإيمانه بالله الآب، هذا الإيمان الذي استمدّه من تأمّله الكتب المقدّسة، ولذا فهو يقدر على أن يفتح القلوب والأذهان لفهم الكتب. مع يسوع، صارت الكتب كلمة حياة ترنّ في القلوب، فقد كانت له نبع حياة، تغذّى منها وتمّمها في ذاته، فصار بوسعه أن يجعلها حيّة فعّالة حقيقيّة في واقع حياتنا، أي في مواجهتنا للألم والظلم، في كفاحنا من أجل الحقّ، والعدل، والحرّيّة.

 واليوم، نلتقي يسوع على طرق حياتنا وفي واقع مجتمعاتنا. إنّه حاضرٌ بالأخصّ في مواضع الليل، والحزن، والوَحدة، يفتح أذهاننا، وعيوننا، وقلوبنا لنتكشف حضوره وسط الاضطرابات، حين نقول إنّ كلّ شيء ضاع ولا أمل في شخص على سبيل المثال، أو في حال بلد أو كنيسة. ففي الليل فقط يظهر النور، ومن القبر يقوم الحيّ، وترتفع الأرض الجديدة والسماء الجديدة بعد عناء الصراع المرير ضد قوى الشرّ. يعلّمنا يسوع أن نقرأ أحداث حياتنا الصعبة لنكتشف على ضوء كلمته حضور أبيه الخلاّق والمُحيي. فروحه مازال يرفّ على المياه وسط الليل ليخلق عالمًا جديدًا كلّ يوم، مصنوعًا من أيدي رجال ونساء التقوا يسوع في ليلهم وحزنهم، وعرفوا فرح القيامة حين فتح أذهانهم ليفهموا معنى موته وموتهم ويكتشفوا حقيقة قيامته وقيامتهم في واقع حياتهم.

نور القيامة هو نار يشعل القلوب، ونحن شهود على الحياة الجديدة الّتي ظهرت في قبور حياتنا، وعلى كلمة الله الّتي أنارت ظلمتنا. والناس من حولنا ينتظروننا، فالله لم يره أحدٌ قط، ولكنّ الناس تسمع وترى شهود القائم من بين الأموات، وعالمنا عطشان لكلمة رجاء تُعيد إليه الثقة بالحياة والمستقبل، وبلادنا متألّمة تائهة في اشتياق إلى النور الّذي يُشرق من القبر، ومن يُرسل الربّ إلى كلّ هؤلاء؟ يُرسل من فتح أذهانهم ليفهموا آلامه، وموته، وقيامته. وعلى ضوئها يقرأون واقعهم بحلّوه ومرّه على أنّه موضع حضور الربّ، من يقيمهم كلّ يوم من تخاذلهم وترددهم وشكوكهم.

أنتم شهود على ذلك، هي كلمة يسوع الأخيرة لتلاميذه، هي كلمته لنا اليوم. هي كلمة حياة، مسؤوليّة ورسالة، ونطلب منه أن يجعلها تثمر في قلوبنا وحياتنا، هو من عرف الموت وقام من بين الأموات، ويسير معنا على دروب الآلام ليحيينا بروحه القدّوس.

نشرت على موقع الآباء اليسوعيين في الشرق الأوسط