أن تكون من "الأٌقلية"; وأنت في بلدك...

بقلم سمر كرم

أقلية.. أقلية  ..

أعرف معنى أن أنتمي للأقلية.. وأنا منذ عدة سنوات أعيش في ألمانيا، وأنتمي رسمياً وثقافياً للأقلية... الأقلية المصرية... أعرف معنى أن أكون من الأقلية المصرية في ألمانيا... أعرف جيداً هذا الشعور  ...

عندما أجدني لا أضحك على نكتة يطلقونها، لأني - وإن كنت أفهم اللغة - لكني لا أفهم ما وراء الكلمات  ..

أعرف ما معنى أن أستخدم لفظ ما - بمعناه اللغوي الصحيح - ولكن في غير سياقه، لأني لا أدرك ولا أشعر فعلاً باللغة، فهي ليست لغتي الأم... وقد يضعني هذا الأمر في موقف محرج  ..

أعرف ما معنى أن أتساءل لماذا يتعامل معي البعض بهذه الطريقة غير المهذبة، وكل ما في الأمر أنه تعامل من منطلق مفاهيم ثقافية أخرى... فأنا أذكر، عندما دعيت للعشاء لأول مرة في بيت صديقة ألمانية، وعرضت علي أن آكل أو أشرب، فاعتذرت طبعاً من الإحراج، فأنا أول مرة أدخل بيتها: شكراً... وكانت النتيجة أن قضيت الليلة جائعة، وأنا أسب وألعن في قلة ذوقها، حتى عرفت أنه من غير اللائق أن تلح علي في العزومة، لأن الأكل موجود وقد يكون لدي سبب شخصي لرفضه... وعلى النقيض أعرف ما معنى أن أتصرف تصرفات تبدو لمن أمامي أنها تصرفات غريبة، وربما أيضاً يجده تصرف غير حضاري، وأنا أظن أني تصرفت بمنتهى الشياكة بمفهومي المصري  .  .  .

أعرف معنى أن أتحدث بغير لغتي في حياتي اليومية، وأحاول أن أدخل في دهاليز تلك اللغة، فأشعر بالغربة في كل مرة أتكلم فيها... كل هذا أعرفه جيداً...

أما ما لم أكن أدركه فهو أني كنت أقلية في مصر أيضاً...

كنت أسمع... أتخيل ... لكني لم أكن أدرك هذا الأمر.

كنت أعتقد أني من الأقلية المحظوظة في مصر، لأنها حظيت بفرصة للتعليم الجيد، ولم أفكر أبداً أني أقلية دينية... كنت أسخر من بعض من يدعون بسبب أو بدون سبب أنهم مضطهدون ليبرروا فشلهم في أمر ما... وكنت أسمع عن بعض الأحداث الطائفية، وأعتقد أنها أحداث نادرة تقوم بها أقلية مريضة.

كنت أعلم أن علي أن أفسر للناس في ألمانيا أني أنتمي "لأقلية الأقلية"، لأني رغم كوني مصرية، إلا أني مسيحية، وأؤكد لهم أن المسيحية موجودة في مصر قبل حتى أن تصل لهم في أوروبا، وأجد قليلين يدركون هذا الأمر، بينما الأغلبية تتعجب بشدة لوجود مسيحيين في الشرق الأوسط... وأوضح لهم الكثير والكثير. لكن ما لم أكن أدركه، هو كم أحتاج أن أوضح للمصريين أني مسيحية... وما يعنيه أن أكون مسيحية وماذا أفعل في الكنيسة...

وأتعجب عندما أجد كاتباً مثقفاً يستخدم لفظ "قبطي" ويطلقه على أي مسيحي، ويؤكد أنه "مش متعصب"، لأنه بيحب الفنانين الأقباط زي "فيروز"، مثلاً... إن كلمة "قبطي" لاعلاقة لها بالدين... ما علينا..

كنت أعلم أن عقائدنا مختلفة، لكني لم أدرك كم كانت هناك مسافة بيننا، مسافة تركناها تزيد على مدى الأيام والسنوات... لم أكن أعرف أن علي أن أوضح لمصري مثلي موعد عيد الميلاد أو عيد القيامة، وما الذي يعنيه أن تكون راهباً وما الذي يوجد داخل الأديرة أو ما الذي يدور داخل الكنائس، لأني كنت أظن أنه أمر معروف لا يحتاج لتفسير...

لكني فوجئت أني أقلية في مصر أيضاً... نعم أنا أنتمي للأقلية... وكم هو صعب أن تعيش عمرك كله تنتمي للأقلية... وكم هو صعب أن تنتمي للأقلية وأنت في بلدك...