انتظار المسيح من السلبيّة إلى الإيجابيّة

بقلم الأب سامي حلاّق اليسوعيّ

نحن في زمن الانتظار؛ انتظار ميلاد يسوع المسيح. في هذا الزمن ينقسم المؤمنون إلى ثلاث فئات:

فئة أولى لا تنتظر

إنّها تعيش منساقةً مع أحداث الحياة، وحين يقترب عيد الميلاد تهتمّ بالأمور المادّيّة الدنيويّة: ملابس وهدايا وضيافة، وتنتهز الفرصة للتقرّب من سرّ الاعتراف لتصفية قلبها، وبعد الميلاد تعود إلى حياتها الاعتياديّة، ولا يبقى من سرّ التجسّد إلّا الذكرى.

فئة ثانية تخاف لقاء الله

إنّها تعي ضعفها وخطيئتها، وتخاف عقاب الإله الديّان. الميلاد لا يعني لها شيئًا، لأنّها تؤمن بإله العدالة أكثر من إيمانها بإله الغفران، تؤمن بإله العقاب أكثر من إيمانها بإله المحبّة، تؤمن بإلهٍ يعاقب أكثر من إيمانها بإلهٍ يُخلِّص. وإذ لا تتوافق أجواء الميلاد مع إيمانها هذا، يصعب عليها أن تعيش الانتظار حقًّا، ولا تفكّر في تحضير نفسها وتغيير مسلكها، بل تميل إلى توجّس قدوم المسيح خائفةً.

فئة ثالثة تنظر إلى المشرق

. إنّ النبي باروك يدعونا إلى أن ننتمي إلى هذه الفئة. فالمشرق في اللغة الكتابيّة مصدر النور وعلامة التفاؤل. وها إنّ النبيّ يدعو شعبه الرازح تحت نير العبوديّة والألم والضيق والسبي والعنف والحرب إلى النظر نحو المشرق. نظرة لا ترى إلهًا ديّانًا يخرب ويدمّر، ولا إلهًا صامتًا يترك شعبه فريسة عبثيّة القدر، بل إلهًا مُخَلّصًا ينقذ ويعزّي. فالله سيأتي ليعيد لنا فرحنا الذي فقدناه.

في نبوءة باروك تتكرّر كلمتان: النور والمجد. فإذا كنّا نعرف ما هو النور، ونؤمن بأنّ يسوع نور العالم، تظلّ كلمة مجدٍ غامضة.

المجد الحقيقيّ ليس مراتب دنيويّة ولا غنى ولا سلطان. المجد الحقيقيّ هو أن يستطيع الإنسان تحقيق ذاته الحقيقيّة، وأن يتطابق مع الصورة الّتي خلقه الله عليها. المجد الحقيقيّ لا ينبع من الإنسان بل من الله، والإنسان يعكسه كما تعكس المرآة النور. وبمقدار ما تكون المرآة صافية، وبمقدار ما تلتفت إلى مصدر النور، يكون انعكاس النور منها أشدّ لمعانًا وأكثر توهّجًا.

وعليه، فإنّ الإنسان يزداد مجدًا كلّما ازداد تقرّبًا من الله. وبما أنّ الإنسان خاطئ وعاجز عن التقدّم كثيرًا باتّجاه الله، نزل الله، صار إنسانًا، ليزيل عنه العقبات، ويمهّد له الطريق كي يصل الإنسان إليه ويتّحد به، ويتجّلى فيه مجد الله.

الفئة الثالثة التي تكلّمنا عليها سابقًا لا تنتظر الميلاد من أجل منافع شخصيّة، ولا من أجل تحقيق آمالٍ دنيويّة، بل تنتظره لأنّها تشتاق إلى أن ينعكس فيها مجد الله، مهما كانت ظروفها الحياتيّة، ومهما كانت حالتها الداخليّة. إنّها تؤمن بأنّ مجد الله هو الإنسان الحيّ، وحياة الإنسان هي لتمجيد الله. وأيّ مجدٍ يستطيع الإنسان أن يناله أعظم من أن ينال القدرة على أن يصير إلهًا؟ وحيث إنّ الله يحبّنا، وجعلنا أبناءه، فهو يريدنا أن نصير آلهة مثله. لذلك يعلن القدّيس إيريناوس خلاصة قصد الله من التجسّد، غايته الأساسيّة من الميلاد، ويقول: «صار الله إنسانًا ليصير الإنسان إلهًا». بهذه الطريقة ينال الإنسانُ المجدَ، بهذه الطريقة يتمجّد اسم الله، بهذه الطريقة ينتظر المؤمنون بالروح والحقّ مجيء ابن الله.

 

نشرت على موقع الآباء اليسوعيين في الشرق الأوسط