بقلم الأب غابي خيرالله اليسوعيّ
"لَمَّا ٱنْقَضَى السَّبْت، ٱشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّة، ومَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوب، وسَالُومَة، طُيُوبًا لِيَأْتِينَ وَيُطَيِّبْنَ جَسَدَ يَسُوع. وفي يَوْمِ الأَحَدِ بَاكِرًا جِدًّا، أَتَيْنَ إِلى القَبْرِ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْس. وكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: «مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الحَجَرَ عَنْ بَابِ القَبْر؟». وتَفَرَّسْنَ فشَاهَدْنَ الحَجَرَ قَدْ دُحْرِج، وكَانَ كَبِيرًا جِدًّا. ودَخَلْنَ القَبْر، فَرَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ اليَمِين، مُتَوَشِّحًا حُلَّةً بَيْضَاء، فَٱنْذَهَلْنَ. فَقَالَ لَهُنَّ: «لا تَنْذَهِلْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ المَصْلُوب. إِنَّهُ قَام، وَهُوَ لَيْسَ هُنَا. وهَا هُوَ المَكَانُ الَّذي وَضَعُوهُ فِيه. أَلا ٱذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلامِيذِهِ وَلِبُطْرُس: إِنَّهُ يَسْبِقُكُم إِلى الجَلِيل. وهُنَاكَ تَرَوْنَهُ، كَمَا قَالَ لَكُم». فَخَرَجْنَ مِنَ القَبْرِ وَهَرَبْنَ مِنْ شِدَّةِ الرِّعْدَةِ والذُّهُول. وَمِنْ خَوْفِهِنَّ لَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا ..." (مرقس 16: 1-8).
لقد تعوّدنا على قراءة هذه النصوص لدرجة أنّها لَم تعُد تُثير فينا المزيد مِن الدهشة! فنحن نَعتبر القيامَة مِن بَين الأموات مِن الأمور المُسلّم بِها وأمراً عاديًّا نَحتفل بِه كلّ عامٍ ... عن أيّ شيءٍ نتحدّث في هذا النصّ؟
إنّه لقاء غَير مُتوقَّع حول جثّة قَد اختفت. نساءٌ جئنَ ليُطيّبنَ جَسد يسوع، ويَتساءلنَ مَن سيُدحرج لهنَّ الحَجر. عن أيِّ حجرٍ يتكلّمنَ؟ أليس هو ذلك الحجَر الذي يَفصل الموت عن الحياة خالقًا فجوةً يَتعذّر عبورها بينهما؟ عندما وصلنَ إلى القبر، فوجِئنً بأنّ الحَجر قد دُحرج ! ومِن الآن فصاعداً يُمكن لنورِ الحياة أن ينفُذَ إلى داخل القَبر ويُمكن للنِسوة أن يدخُلنَ القبر بدون أيّة مجازفة لأنهنَّ شعرنَ بأنّ هناك شيء غير متوقَّع يحدُث هنا. وسوف لن يخيب ظنّهنَّ! مفاجأة أخرى كانَت تنتظرهنَّ داخل القَبر: جَسد الميِّت لم يعُد هنا! وفي مكانه، كان هناك رجُلٌ يرتدي حلّة بيضاء! الحلّة البيضاء، رمز التجدُّد والنقاء حلَّت محلَّ الكفَن الذي التفَّ حول البشريّة منذ سُقوط آدم! الرجُل الذي كانت لديه الجُرأة أن يَظهر للنِسوة ويُعلن لهنَّ قيامة المسيح، يحُلُّ محلَّ آدم القديم الذي اختبأ مِن وجه الله بين أشجار الجنّة بعد خطيئَته! لقد أصبح ذلك مُمكِنًا بسبب ذاك الذي عبَرَ الهوّة التي تفصُل الموت عن الحياة. المسيح يأخُذ على عاتقِه خطايانا، الخطيئة الأصليّة التي وسَمت البشريّة، ليُعيد إليها نقاءها الأصليّ الذي يرمُز إليه اللون الأبيض. المسيح يأخُذ موتَنا على عاتقِه، لكيّ نَقوم معَه جميعنا، مُستقبِلين الحياة المُعطاة مِن الآب والروح مِن خلال قِيامته. هذا ما يرمزُ إليه القَبر الفارغ مِن جسده المَيت. هذا القبر يُصبح مكانًا يسكنُه الإنسان الجديد الذي يَجرؤ أن يقول للنِسوة الخائفات: لقد قامَ مِن بين الأموات !
هذا هو أساس إيماننا والمتمثِّل بعبارة واحدة: لقَد قام! وكما يُذكّرنا القدّيس بولس «إذا لم يكُن المسيح قد قام، فإيمانكم باطل» (1 قور 15: 17). لم يرَهُ أحد عندما قام! وإلا فلَن يكون الإيمان قراراً حرًّا! ما يطلبه منّا المسيح هوَ انضمامنا الحرّ إلى قيامَته. إنّه يطلُب منّا أن نؤمِن بالكلام الذي قاله هذا الرجُل للنِسوة لكيّ ينقُلن هذه الرسالة للتلاميذ وبعد ذلك لكلّ واحدٍ منّا. المطلوب مِنّا أن نؤمِن بهذا التَسليم المستمرّ للرسالة منذ ألفي سنة. وفي ذلك تكمُن هشاشة إيماننا. هشاشة بِسبب عدم وجود دليلٍ سوى تلك الكلمة التي قيلَت للنِسوة، اللواتي نَقلنها إلى التلاميذ وأخيراً لكلّ واحد منّا، بدون أيّ أساس علميّ. بالقوّة لأنّها خاليَة مِن أيّ دليل وأيّ تبرير. إنّها تتطلّب عضويّتنا الخاصّة وخِبرتنا الخاصّة المُعاشة مع القائم مِن بين الأموات، وهو شيء مُستحيل إن لم نكُن على علاقة شخصيّة معه. إنّ إيماننا يتطلّب منّا أن نحفظُها حيّة مِن خلال العَيش في علاقةٍ شخصيّةٍ مع المسيح وعلاقةِ مُشاركة مع أعضاء الإيكليزيا، أيّ الجماعة الكنسيّة، شعب الله.
إنّنا نعيش تجربّة غير عاديّة فقد ماتَ المَوت. إنّه أمرٌ لا يُصدّق ولكِن هذا ما يكشِفه لنا سرُّ الفصح: القَبر فارِغ. مَن الذي كان في القَبر؟ إنّه كلّ واحدٍ منّا! مَن الذي خرَج مِن القبر؟ إنّه كلّ واحد منّا في مسيرنا خَلف المسيح. ما الذي يعنيه ذلك لكلٍّ منّا؟ إنّها دعوَة إلى الحياة ونِداء لكيّ لا نتلكّأ على قبورِ حياتنا، لكِن أن نَدع المسيح يفتحُها لكيّ يتمكّن نوره مِن اختراقها، ويجعلنا نَخرج مِن هذا المكان. وعلى السؤال الشائِع الذي يُطرَح عليَّ فيما إذا كان هناك شيء ما بعد الموت، فإنّ إيمانيّ يَدعوني لأن أقول: لا يوجّد شيء وإنّما شخص يتبَعه عددٌ قليلٌ مِن الأشخاص الذين ينتَظروننا. إخوتي وأخواتي، إنّ عيد الفصح هوَ عيد الحياة، لكنّها ليست أيّة حياة: إنّها حياةُ مُعطاة نستقبلها من المسيح. فقد تمّ اختزال الموت ليُصبح ممرّاً. إنّه ممرٌّ مؤلم، قاسٍ ولكنّه يبقى ممرّاً!
لنبتهِج اليوم، لأنّ الموت لم تعُد له الكلمة النهائيّة. ويُمكننا أن نقول مع زكريا بأنّ المسيح جاء «ليُنير المُقيمين في الظُلمة وظِلال الموت، ولكَي يُسدّد خطانا لسبيل السلام» (لو 1: 79). وهذا الكلام يخصّ كلّ واحدٍ منّا. آمين
نشرت على موقع الآباء اليسوعيين في الشرق الأوسط