مع اللاجئين في لوكسمبرج

مع اللاجئين في لوكسمبرج

مارينا زكي (من رفاق القاهرة)

الموضوع بدأ لما أبونا فوزي كلمنى وقال لي إن هناك فرصة لخدمة للاجئين في لوكسمبرج وأنه يقترح أن أشارك فيها، أنا في الأول كنت مترددة جداً عشان ظروفي اختلفت بعد وفاة بابا. وكان هناك السنة اللي فاتت سفر مع نشاط أغصان الكرمة لإيطالليا وكان كل ورقي كاملاً وبابا موجود فموضوع الفلوس أسهل بكتير، ورغم ده ما جتليش تأشيرة السفر. فكنت خايفة أجرب نفس التجربة والتأشيرة ما تجيش تاني بس أبونا كان بيطمني ووالدتي قالت لي خلينا نمشي في الإجراءات والأحسن يحصل. وفي الوقت ده كنا بنصلي عشان لو للخير وربنا هيدبر الحاجات الموضوع يمشي ولو لأ خلاص.

المهم بدأت فعلاً أجيب الورق المطلوب، بس كانت هناك ورقة كشف الحساب دي ما كنتش عندي، فكنت رايحة ميعاد السفارة يوم 27 أغسطس وأنا ورقي ناقص كشف الحساب، عكس السنة اللي فاتت لما ورقي كله كان كامل وكان عندى شعور أنها أكيد مش هتجيلي: أنا ورقي ناقص وبابا مش موجود!

بس المفاجأة إنها المرة دى جت، المرة دي ربنا كان شايف إنها خير ليَّ ودعوة علشان أخدم الناس اللي هناك. السنة اللي فاتت ما كنتش فاهمة ليه أنا ما سفرتش؟ وكنت بأعيط وماما كانت بتقول لي جملتها الشهيرة "إن شاء الله السنة الجية يجيلك سفرية أحسن منها"، وأنا علشان كنت واقعية كنت شايفة إن الدنيا بتوحّش مش بتحلو وده أكيد مش هيحصل.

 

بس ربنا كان عنده رأي تاني، ربنا كان شايف إني لو روحت سفرية أيطاليا كنت هأرجع مش هألاقي بابا بس المرة دي الموضوع كان خير.

ومن بعدها ربنا سهل الدنيا وكان موجود في كل لحظة، إحنا كنا مجموعات متقسمين على أربعة أماكن خدمة مختلفة، هناك مكان كان بيخدم اللاجئين الشباب، والأماكن الثلاثة الباقين بيخدموا الأسر، الناس هناك عايشة ولكن ليست حياة.

دولة لوكسمبرج تعطيهم المكان اللي هما عايشين فيه، تعطيهم الأكل والشرب طول الشهر، ومصروف لكل فرد في الأسرة، أولادهم بيتعلموا وبيتعالجوا ببلاش. لكن بتفضلهم حاجة نقصة، لأنها مش حياة طبيعية.

أصعب الحاجات اللي قابلتها هي حكاويهم والقصص اللي عاشوها، الظروف الصعبة والمخاطر اللي شافوها عقبال ما وصلوا إلى المدينة دي! الذكريات اللي بيفتكروها وإن الحياة اتغيرت في يوم وليلة! بس أحسن حاجة أتعلمتها إني حتى لو مش عندي حاجة أقولها لهم بس إني أسمعهم وأحس بكل حاجة هما بيقولوها دي كانت حاجة بتفرق معاهم جداً! مجرد حد يسمع! حد يحس وخصوصاً إنهم ما صدّقوا أن هناك حد بيتكلم عربي جالهم وسهّل عليهم أنهم يتكلموا ويطلعوا اللي جواهم.

كنا بنعمل خروجات ليهم ولأولادهم، وساعات لأولادهم بس عشان نريّحهم شوية ويبقى عندهم الوقت إنهم يكمّلوا ورق هما محتاجينه أو يدوروا على بيت عشان هما نفسهم يكونوا بيعيشوا حياة طيبعية، حياة شبه اللي كانوا عايشينها: إن الأب يكون بيشتغل وعندهم بيت ليهم من غير ما يكونوا في مكان بيشاركهم فيه غيرهم كتير... وده للأسف صعب إنه يحصل: علشان يجيبوا بيت لازم يبقى هناك عقد عمل وعشان يبقى عندهم عقد عمل لازم يبقى طالب الشغل بيعرف يتكلم فرنسي وهما مش بيعرفوا. والموضوع محتاج وقت كتير علشان يتقن اللغة ومحتاج حماس وصبر على التعلم وده موجود في قليل جداً منهم! هما عايشين ولكن ليست حياة...

مشاركتهم واستقبالهم لينا في غرفهم وأنهم رغم القليل اللي عندهم بس بيقدموا لنا نأكل ونشرب معاهم، قد إيه ده كان بيلمسني أنهم رغم الظروف والاحتياج قادرين أنهم يستقبلونا ويبتسموا ويشاركوا القليل اللي عندهم.

كل واحد فيهم عنده قصة مختلفة وحاجة مؤثّرة في حياته، كل حد فيهم كان عايش حياة طبيعية جداً وفي يوم وليلة حياته اتغيرت، وكل حد فيهم بيحلم يعيش حياة طبيعية تاني.

بس برغم كل ده، ربنا كان بيبقى موجود في المكان، كان بيسهل الدنيا وبيعطي حكمة واحنا بنسمع واحنا بنتكلم. كان موجود في مجموعتنا وفي كل واحد شوفناه. هي حقيقي خبرة كبرتني وعلمتنى كتير قوي وهأفضل أفتكرها طول عمري.