بقلم الأب أوليفر برج أوليفييه
إن بحثنا في كتابات إغناطيوس عن مادة عن الروح القدس، فلن نجد ما يشبع جوعنا. فكتاب الرياضات الروحية لا يتحدث مباشرة عن الروح القدس إلا مرتين أو ربما ثلاث، هكذا مرور الكرام. وكذلك الحال في القوانين التأسيسية للرهبانية اليسوعية. ولكننا نجد في يومياته الروحية وفي مراسلاته، حديثاً أطول عن الأقنوم الثالث في الثالوث الأقدس.
الروح القدس... أهو الأقنوم المنسي أو المجهول في الثالوث؟
هل هذا الإحجام عن الحديث عن الروح معناه أن الروح هو الأقنوم المنسي في الروحانية الإغناطية، كما قد يبدو لأول وهلة، وكما هو الحال ربما عند الكثيرين منا؟ هل هذا معناه أن الروح لم يكن يلعب أي دور في حياة إغناطيوس.. وعلى الأقل لم يكن يعي هذا الدور؟ ولكني لا أظن أن هذا صحيح!!
لم يكن إغناطيوس عالماً في اللاهوت، وبالتالي فلم يفصل لاهوتاً للروح القدس أو للثالوث. بل قدم لنا إغناطيوس رؤيته عن الأقانيم الثلاثة ومنها بالطبع رؤيته عن الروح القدس. وهذه الرؤية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بخبرته الشخصية. فالروح القدس عند إغناطيوس هو الذي "يهدي ويدير أمنا الكنيسة" (الرياضات الروحية رقم 365)، وهو الذي يكتب في قلوبنا الشريعة الباطنية للمحبة، وهو الذي يعلمنا ويقودنا ويلهمنا.
ولكننا نجد في مراسلات إغناطيوس إشارات أكثر عن الروح القدس. فإن خبرته علمته الكثير عن الدور الهام الذي يلعبه الروح في حياة كل مسيحي. وسواء تحدث إغناطيوس إلى ملوك أو أناس بسطاء، إلى رؤساء الرهبانية اليسوعية أو من يرحلون إلى الأراضي البعيدة أو المرسلين، فهو يشير دائماً إلى دور الروح القدس.
الروح القدس والتمييز:
"إن رغبتي، من أجلك أنت ومن أجل أصدقائك وكل معارفك، هي أن تشتعلوا وتلتهبوا بالروح القدس، حتى يمكنك كلكم أن تعلنوا عن أنفسكم في مجده عز وجل" (الرسائل الجزء الأول رقم 408).
"أما عن طريقة التعرف في المواقف الخاصة، فلم يتراءى لي ضروياً – في الرب – أن أتحدث عن ذلك راجياً أن يستطيع الروح القدس نفسه، الذي وجه سيادتكم حتى الآن، أن يقودها ويوجهها في ما بعد من أجل مجده الأعظم عز وجل." (الرسائل الجزء الثاني رقم 237).
من هذين النصين، يتضح أن الروح القدس – بالنسبة لإغناطيوس – هو الذي يلهب القلوب بالمحبة. لا بمحبة عاطفية، كنار في القش، بل بحب عميق هو ثمرة علاقة حميمة مع الرب. سيساعدنا هذا الحب لنكتشف ونميز ما ينبغي أن نقوم به من أجل مجد الله الأعظم.
إن الروح القدس أيضاً هو الذي يعلمنا الفطنة والبصيرة والحرص، لا الفطنة الناتجة عن حسابات العالم أو حكمته، أو الحرص الناشئ عن الخوف، بل الفطنة التي يتحدث عنها إغناطيوس هي ثمرة الحب. إنها محبة بصيرة تعرف اختيار ما يسعد المحبوب. ويسميها إغناطيوس باللاتينية descreta caritas أو "المحبة التي تميز" ("المحبة البصيرة").
ونقرأ في يوميات إغناطيوس الروحية، أنه كان يحتفل بقداس الروح القدس ليطلب منه المعونة عندما يتحتم عليه أن يميز إرادة الله قبل اتخاذ أي قرار، كما كان يطلب عونه لتثبيت ذلك القرار. فقد كان يهتم كثيراً بما إن كانت قراراته متوافقة مع إرادة الآب. وحيث أن الحب لا يرضى بالقليل، بل يبحث دائماً عن الأكثر، فهذه المحبة البصيرة المُمَيِّزة كانت تدفع إغناطيوس للبحث عن مجد الله الأعظم لا مجد الله فحسب.
للتأمل الشخصي :
1- إلى أي مدى يمكن أن أقول إن الروح القدس يلعب دوراً واعياً في حياتي؟ أي مكانة يحتلها في صلاتي؟
2- كيف أتخذ قراراتي خصوصاً الهامة منها؟ هل يلعب الروح القدس دوراً فيها؟ هل يمكن أن أقول إن قراراتي وأفعالي هما ثمار للمحبة البصيرة المُمَيِّزة؟
3- أي دور تلعبه جماعاتي في اتخاذي للقرارات ؟ خصوصاً تلك التي تؤثر على حياة الجماعة؟ إن كان الحب هو انفتاح على الآخرين، فهل يدفعني الروح القدس إلى الحب؟ هل أنا سلس القياد بين يدي الروح؟