علمانيون للإرشاد الروحي

Lay guides

بقلم الأب أوليفر برج – أوليفييه اليسوعي

 كثيراً ما يحدث أثناء تنظيمي لرياضات روحية لرفاق الكرمة أو لغيرهم أن يأتيني البعض قائلين: "لا أريد راهبة كمرافقة وخصوصاً لا أريد علماني! لا أريد إلا كاهناً!" فهناك وهم جعل من الكاهن أو الراهب الشخص الوحيد القادر على مرافقة آخرين روحياً. وأود أن ألقي الضوء بعض الشيء على هذا الوهم.

تعريفات

عرفنا الإرشاد الروحي في مقالنا الأول بأنه علاقة مساعدة بين شخصين مسيحيين فيها يقوم أحدهما بمساعدة الآخر على أن يكتشف ويعيش المعنى العميق لحياته، في إطار الجماعة المسيحية، رداً على نداء الله ومبادرته وانطلاقاً من التعليم الكتابي والكنسي.

ويقول المجمع الفاتيكاني الثاني إن على العلمانيّين بوجه خاص، أن ينيروا ويوجهوا جميع الحقائق الزمنية التي يرتبطون به ارتباطاً وثيقاً حتى تصير وتنمو دوماً بحسب المسيح وتكون لتسبيح الخالق والمخلص.

ويقول البابا بولس السادس: "يمكن للعلمانيين أن يحسوا بدعوة للمساهمة مع الرعاة في خدمة الجماعة لنموها وحياتها. فعليهم أن يؤدوا رسالات مختلفة، كل بحسب النعم والمواهب التي يريد الرب أن يعطيهم إياها".

والإرشاد الروحي رسالة رعوية تؤديها الكنيسة للجماعة، وهي رسالة غير مقصورة على الكهنة. فهذا الوهم وليد العادة والعقلية التي يسيطر عليها الإكليرس.

نبذة تاريخية

إذا تأملنا جيداً في تاريخ الكنيسة وخاصة آباء الصحراء في مصر، لاكتشفنا أن بعضهم فقط كانوا كهنة وأن عدداً صغيراً منهم قط نذروا نذوراً رهبانية. ومع ذلك كان الناس يهرعون إليهم للإرشاد الروحي، وحتى يومنا هذا ندرس "أحكامهم" كأمثلة رائعة للإرشاد الروحي. وكان هؤلاء علمانيين اختاروا أن يعيشوا حياة روحية أصيلة، واكتشفوا معنى حياتهم العميق، وقرروا أن يعيشوا هذا المعنى إلى النهاية. ومن بينهم، على سبيل المثال لا الحصر، أنطونيوس الكبير وباخوم وغيرهم من تلاميذهم الذين أرادوا أن يعيشوا مثلهم، كانوا جميعهم مرشدين روحيين لمن أتوا إليهم سعياً للاستنارة.

ولنا أيضاً مثال رائع  في القديس إغناطيوس مؤسس الروحانية التي تسترشد بها رفاق الكرمة. فما لبث إغناطيوس بعد اهتدائه، أن قام في مانريزا (Manresa)، برياضات روحية عميقة أثّرت في حياته وساعدته على فهم ديناميكية الحياة الروحية والطريقة التي يتعامل بها الله مع الناس. وكان يدوَّن ملاحظاته عن هذه الخبرات ويفكر في معناها ليستمد فائدة له وليستطيع مساعدة الآخرين. وبعد ذلك بقليل بدأ الناس يأتون إليه طلباً للإرشاد الروحي. وفي ذلك الوقت لم يكن لا راهباً ولا كاهناً: لم يكن إلا علمانياً فحسب، يعيش حياة روحية عميقة ويسعى لمساعدة الآخرين على عيش ذلك. وكان حبه الشديد للمسيح والفرح الذي يحس به في اكتشاف شخصه يجعلانه يتوق إلى مساعدة الآخرين على هذا الاكتشاف.

ولم يكن الناس يَقْبَلون بسهولة، كما هو الحال في أيامنا، أن يقوم علماني بالإرشاد أو المرافقة الروحية. فقد واجه إغناطيوس الكثير من المصاعب والمقاومة من كل جانب، واتُهِم بأن تكوينه من الناحية اللاهوتية والروحية غير كاف. فقَبِل أن يعود للدراسة، رغبةً منه في مساعدة الآخرين على أن "يعرفوا ويتبعوا يسوع المسيح ويخدموه خدمة أفضل". ورافق رفقاءه الأوائل في الرياضات الروحية وهو مازال طالباً في باريس وقبل أن يفكر في إنشاء رهبنة أو حتى في الكهنوت. و"الرياضات الروحية"، وهي أهم ما ترك إغناطيوس للكنيسة، نشأت وهو ما زال علمانياً. إن هذه الرياضات، بنصائحها للمرافقة وطرق الصلاة الواردة فيها وكذلك ديناميكيتها، هي مدرسة رائعة للمرافقة الروحية.

 فإن كان العلمانيون، كآباء الصحراء وإغناطيوس، قد قاموا بالإرشاد والمرافقة الروحية، فلماذا نرفض الآن أن يقوم العلمانيون بهذا الدور؟

علمانيون مرشدون ومرافقون روحيون

وإحقاقاً للحق، ففي بلدان كثيرة، يقوم رجال ونساء علمانيون بالإرشاد والمرافقة الروحية سواء للرياضات الروحية أو أثناء الحياة اليومية. وفي رفاق الكرمة أيضاً، في بلدان كثيرة، يؤدي علمانيون هذه الخدمة. فإن الإرشاد والمرافقة الروحية خدمة يُؤدَى للجماعة. ففي شيلي مثال رائع لسيدة أم لستة أبناء - خوسيفينا إراثوريث Josefina Errazuriz - وجدت الوقت الكافي للتكوين لتقوم بمرافقة الآخرين روحياً أثناء الرياضات الروحية وفي الحياة اليومية، وقد رافقت حتى الرهبان والراهبات في الرياضات. وفي هولندا قامت سيدة أخرى، مع مجموعة من الرهبان والراهبات والعلمانيين بمرافقة ربات بيوت أخريات في رياضات روحية في الحياة اليومية. ولم تكن تعطي التأملات وتَحْضُر المشاركات الجماعية فقط بل رافقت البعض شخصياً أيضاً. وفي بلجيكا شاب عمره 23 سنة كان قد عاش خبرة الرياضات الروحية عدة مرات، وأتيحت له مرافقة روحية سمحت له أن يفهم ديناميكية الحياة الروحية جيداً. وختاماً، ففي دورة تكوينية أعطيناها لجماعات 7 فقام بدوره بمرافقة آخرين أصغر منه الحياة المسيحية الإيطالية (رفاق الكرمة) بروما كنا أربعة آباء يسوعيين وعلمانيّة واحدة

مم نخاف ؟

إن الصعوبات التي أسمع عنها في أغلب الأحيان هي: لا يمكن للنساء أن تكتم سراً! فكيف يمكن لي أن أطلع آخر أو أخرى مثلي على أعمق ما أعيشه ؟
إن التأكيد على أن الرجال هم فقط القادرون على كتمان الأسرار جزء من الوهم الذي يحيط بالرجال، خاصة في مجتمع يتسلط فيه الرجال. ومن المؤسف أن السيدات تأثرن بهذا المجتمع لدرجة أن كثيراً ما تكنّ أول من يرفضن أن تثقن في امرأة مثلهن.

ويبرز سؤال آخر وهو: أليس الكاهن أو الراهب أو الراهبة رجلاً أو سيدة مثلنا؟ فهل يكون ثوب الرهبنة هو ما صنع الراهب أو المرشد أو المرشدة الروحية؟ أليس في ذلك مرة أخرى، مقاومة لنوع من التغيير، قد يؤدي إلى اضطراب أسلوب تفكيرنا وعملنا أو قد يدخلنا في تحدي مسؤوليات جديدة؟

ماذا نفعل إذاً ؟

ليست المشكلة في كون شخص المرافق كاهناً او راهبة، ولا في كونه أستاذاً في اللاهوت. فلم يكن إغناطيوس ولا آباء الصحراء أساتذة. ولكن يجب أن يكون الشخص أولاً قد عرف الله واختبر المسيح في حياته الشخصية. وفَهِم كيف يتعامل الله مع الأشخاص. أي أنه يجب أن يكون لديه فكرة ما عن ديناميكية الحياة الروحية. وهذا النوع من الخبرة يأتي غالباً من خلال الرياضات الروحية أو من خلال خبرة مطولّة في المرافقة الروحية.

ويجب ثانياً أن يكون للشخص تكوين في تعاليم الكنيسة، مثل التكوين المعطى في معهد السكاكيني، بالقاهرة. ولا يمكن أن ننسى حياة صلاة شخصية وقدرة على إدخال آخرين في حياة صلاة، ومشاركتهم إياها. وبالطبع يجب أن يكون عند الشخص قدرة كبيرة على الاستماع. ويمكن أن يُكتسب ذلك كله من خلال تكوين للإرشاد الروحي. ويمكن لعلمانيين أن يحصلوا على هذا التكوين مثلهم في ذلك مثل الكهنة والرهبان والراهبات. ولكن الأهم من ذلك كله، في رأيي، هو الحب الشديد للمسيح والرغبة العميقة في كشفه للآخرين ومساعدتهم على أن يعيشوا خبرة عميقة معه.

أسئلة للتفكير والمشاركة

1- إن عُرضَ عليَّ أن يرافقني علماني في الرياضات الروحية، فما هو رد فعلي؟ ولماذا؟ وماذا إذا عُرِض أن يكون مرشدي أو مرشدتي الروحية في الحياة اليومية علمانياً؟
2- ما هو رد فعلي إذا عُرض عليَّ تكوين لمرافقة آخرين في حياتهم الروحية؟ ولماذا؟
3- هل أميّز جيداً بين الإرشاد الروحي وسر المصالحة حين أقول إن الكاهن وحده يقدر أن يكون مرشداً روحياً؟