بقلم أماني فوزي
في رحلتي الذهنية لمحاولة اختيار الكتب "التي تركت أثرًا ما في نفسي وكانت موحية بشكل ما في قراءاتي" كما طُلب مني، أخذت أتجول في المنزل بحثًا عن تلك الكتب. قرأت الكثير ولكن بعض الكتب، حتى وإن قرأتها منذ أعوام بعيدة تترك فينا أثرًا بالفعل. ليس بالضرورة أثرًا إيجابيًا ولكنني أحب الكتب التي تتحداني، تتحدى قناعاتي المسبقة وتتحدى ما أؤمن به أيضًا. تطرح عليّ أسئلة وتتركني في محاولات بحثي لأعثر على إجابات ما، وربما تتسببت لي في بعض الإزعاج المحبب.
كتاب إيمان مرسال "كيف تلتئم" من هذه النوعية.
عندما قرأت الكتاب لم أحبه في البداية كثيرًا، بل وتسبب لي في نوع من الإزعاج، فهي بالفعل تتحدث عن أشباح الأمومة، عن معاناتها الشخصية في فقد أمها في طفولتها:
"ظلت الصورة التي تجمعني بأمي أمام سور بيت كولونيالي عليه أصيص من الزهور ينتمي إلى أي مكان، ريف إنجلترا أو إحدى مستعمراتها في الشرق. ستكون تلك الصورة الوحيدة لي مع أمي، حيث أنها ماتت بعدها بأقل من شهرين."
وعن معاناتها كأم مع ابن يعاني من مشكلات نفسية:
"قلت له: لماذا لا تنام يا حبيبي؟ قال: هناك فراشة تطير في رأسي وتمنعني من النوم. سألته إذا كانت هي نفس الفراشة التي قال لي منذ أيام أنها تطير في قلبه وتجعله خائفًا. فقال: هي فراشة أخرى أو ربما هي نفس الفراشة ولكنها تنتقل بين رأسي وقلبي ومعدتي. "
وفي عبارات قصيرة من يومياتها تظهر لنا آلام أشباح الأمومة، مخاوف الفقد، المعاناة اليومية في التعامل مع الحياة ومنغصاتها. معاناة ربما مر بها كل منا من قبل كأم أو حتى أب ولم نستطع التعبير عنها. أزعجني الكتاب لا أنكر ذلك وأزعجني المزاج المتوتر ومتابعة معاناة أم مع ابنها المربض، ومعاناة الطفل ومخاوفه. ولكن في الوقت نفسه تعلمت أشياء كثيرة عن آخرين ربما تعاملت معهم ولم أدرِ شيئًا وقتها عن معاناتهم. وأهم ما تعلمته أنني لا أعرف الكثير أو ربما لا أعرف شيئًا (حتى وإن مررت بتجربة الأمومة بنفسي) عن أشباح الأمهات الأخريات، وتعلمت أن علينا أن نتذكر دائمًا أن الصمت والإصغاء أحيانًا يكون أفضل طريقة للدعم والمساعدة، فليس لدينا دائمًا الحل، وليس من الضرورة أن يكون، فمعرفة ما لا نستطيعه يفيدنا أحيانًا كثيرة في التعامل مع أشباحنا.
هل كانت إيمان تحتاج لشيء غير أن نصغي إليها؟