إعداد سمر شنودة
عن كتاب للأب ريمون بوتريل (*)
"حي هو الرب، إله إسرائيل الذي أنا واقف أمامه!"
عاين التلاميذ المسيح المتجلّي على جبل التجلي وهو بين موسى وإيليّا. ومع أن إيليّا هو أكبر أنبياء العهد القديم إلا إنه لم يترك لا هو ولا تلاميذه أي أثر مكتوب عن رسالتهما. ولكن إيليّا وكذلك تلميذه إليشع كانا لهما تأثيراً كبيراً على أحداث عصرهما.
ظهر النبيان في القرن التاسع قبل الميلاد في مملكة الشمال كما يروي سفر الملوك. وآنذاك كانت إسرائيل منقسمة إلى مملكتين: مملكة السامرة في الشمال ومملكة يهوذا في الجنوب. وكانت مملكة الشمال تحت حكم أسرة عُمري وكانت عبادة يهوه مهددّة بالخطر فيها، لأن آخاب بن عُمؤي وزوجته إيزابيل كان من عابدي البَعل. ولهذا نشأ الصراع بين إيليّا وآخاب.
إيليّا وإليشع
ومع إن إليشع تتلمذ على يد إيليّا إلا أن طباع الرجلين كانت مختلفة، فإيليّا أكثر تألقاً وفصاحة في إعلان حقوق الله والحث على اتباع الضمير وفضح جرائم الشعب والملوك.
وهو الذي أعلن ملاخي – آخر أنبياء العهد القديم – عن مجيئه الثاني في يوم الرب، هذا المجيء الذي أكده المسيح في شخص يوحنا المعمدان، "فقد جاء إيليّا ولم يعرفوه" (متى 17/12). وقال له آخاب: "أأنت إيليّا معكر صفو إسرائيل ؟" (ملوك 18/17) وكان هذا هو السبب في هروبه الدائم.
وتميز إليشع بكونه أكثر حضوراً لقضايا عصره: فهو يشارك في مخاطر الحروب والمجاعات، ويتقرب إلى الملك، دون محاباة وينقل إليه كلام الله. ويشهد عن ذلك نوعية المعجزات التي قام بها كلا النبيين: فمعجزات إيليّا أكثر مجداً تعلن عن إله قدير، يفوق قوة الطبيعة، ويتفوق على آلهة أخرى.
أما إليشع فمعجزاته من أجل الفقراء والمرضى، معجزات مجانية، فهو غير متطلب، حتى في علاقته مع الأديان الأخرى. فما يهمه هو أن تستطيع إسرائيل عبادة الله الحي، ولا يهم كثيراً إن كانت هناك آلهة أخرى، فإليشع يقبل أن زمن التوحيد لم يأت بعد. وبعد أن شفى نعمان السرياني من البرص اعترف بأن ليس إله إلا الله، إله إسرائيل. ورغم هذا التحول في حياته إلا أن مهنته كانت تحتم عليه أن يدخل مع سيده الملك إلى بيت إله آخر وأن يسجد هناك. فما كان بإليشع إلا أن قال له "امضِ بسلام" ( 2 ملوك 5، 18 – 19).
شدة عند إيليّا وتسامح عند إليشع، ويظل الاثنان نبيين لله.
للصلاة:
تسامح وشدة
كان إيليّا متطلباً للغاية لا يقبل بالحلول المائعة أما إليشع فكان متسامحاً يقبل بالقليل. في حياتي أيضاً أتعامل بالطريقتين: فما هي الأمور التي أقبل فيها؟ وما هي الأمور التي لا أقبل فيها ؟
إيليّا وصلاة ضائع
"حي الرب إله إسرائيل الذي أنا واقف أمامه"
هذا هو إيمان إيليّا، إيمان بإله حي يشاركه في حياته. فالله أظهر وجوده لإيليّا عندما استجاب لصلاة الجفاف ثم صلاة المطر، وعند إحياء ابن الأرملة، وإنزال النار على محرقة الكرمل أمام أنبياء البعل.
ولكن إله إيليّا رغم قوته وعظمته فهو إله قريب، يهتم بأصغر الأمور ويهتم بحياة إيليّا مثلما فعل مع موسى. فرّ إيليّا هارباً من الملكة إيزابيل التي هددت بقتله. ومشى يوماً كاملاً في اتجاه بئر سبع وهناك ترك عصاه منهمكاً وصرخ إلى الرب متمنياً الموت: "حسبي الآن يا رب، فخذ نفسي فإني لست خيراً من آبائي". ثم... "إني غرت غيرة للرب إله القوات، لأن إسرائيل قد تركوا عهدك، وحطموا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف ويقبت أنا وحدي".
إنه وحيد ومحكوم عليه بالموت كأحد الخارجين على القانون. اختبر إيليّا طريق أيوب نفسه، فإذا هو متروك من جميع أقربائه اكتشف في عمق وحدته – وربما بفضلها – الصديق الأكيد والمخلص. إنها خبرة متكررة في الكتاب المقدس، برع ميخا في وصفها: "فيكون أعداء الإنسان أهل بيته، أما أنا فأترقب الرب وأجعل رجائي في إله خلاصي، فيسمعني إلهي" (ميخا 7: 5 ، 7). هذا هو النص نفسه الذي يذكر به المسيح في الآية الشهيرة "من أحب أباه أو أمه أكثر مني فلا يستحقني" (متى 10/35).
تبدو هذه الخبرة وكأنها مرتبطة ارتباطاً كاملاً باللقاء مع الله. على أية حال، فلقاء إيليّا مع الله في حوريب جاء بعد هذه الخبرة: "إذ بريح عظيمة تصدع الجبل وتحطم الصخور، ولم يكن الرب في الريح ثم بعد الريح زلزال... ثم نار... وصوت نسيم لطيف وكان الله في النسيم".
للصلاة:
الله في النسيم
"حي هو الله الذي أنا واقف أمامه" ، ما هي الأشياء التي يعلن الله فيها عن وجوده في حياتي؟
إليشع "النبي الذي رأي"
تنطلق صلاة إليشع من هذه الآية "يا رب اكشف عن عينيه ليرى". وتكمن روعة هذه الصلاة في صدقها وارتباطها بصورة مميزة في حياة إليشع. فهو نبي الرؤية، استلم رسالته بعد أن أبصر إيليّا يُرفع في عاصفة إلى السماء.
ثم عند هجوم ملك آرام عليه، وكان إليشع وحده مع خادمه، قال للغلام "لا تخف فإن الذين معنا أكثر من الذين معهم". وبالفعل فتح الرب عيني الخادم، فرأى الجبل مملوءاً خيلاً ومركبات نار حول إليشع.
فإليشع كان يرى الحقيقة، الحقيقة الكاملة، بعيني الإيمان وكان يريد أن يريها لآخرين. فالقوة والتخطيط البشري ليس كل شيء، "فإله إليشع هو إله القوات". وربما كان هذا سر رجاء إليشع.
وتبقى صلاة إليشع "افتح يارب عيون هؤلاء ليبصروا" صلاة شفاعة لنا جميعاً.
للصلاة:
افتح يارب عيوني
ما هي نظرتي إلى الحقيقة: أنا، عائلتي، مهنتي، ظروف الكنيسة، البلد، طباع الناس...؟
هل هي متفائلة، متشائمة، واقعية، مثالية...؟
ما هو دور الإيمان في هذه النظرة ؟
من الله إلى الناس
"هاءنذا أرسل أليكم إيليّا النبي قبل أن يأتي يوم الرب العظيم الرهيب، فيرد قلوب الآباء إلى البنين وقلوب البنين إلى آبائهم" (ملاخي 3/23).
تُرى لماذا إيليّا بالذات؟ ربما بسبب ما عاشه إيليّا في حوريب واكتشافه لله في الوحدة وأهمية هذا الاكتشاف بالنسبة لرسالته نحو البشر. ففي حوريب لم يشعر إيليّا بسلام داخلي فحسب، بل تلقى رسالته أيضاً: رسالة محددة تجاه إخوته البشر الذين كان إيليّا قد هرب منهم: "امضِ فارجع في طريقك نحو برية دمشق" (1 مل 19/15). ذلك لأن محبة الله تُرجِع الإنسان إلى محبة البشر.
ومن الغريب أن ملاخي يعلن عودةه إيليّا – لا "كنار السبّاك وكمسحوق منظف للثياب" (ملا 3/2) فحسب، بل للمصالحة والوئام أيضاً. ومع ذلك إن هذه المهمة أقرب إلى شخصية إليشع منها إلى شخصية إيليّا، فإن الله يعهد بها إلى إيليّا إلى الصحراء، رجل حوريب، الذي شعر بالعزلة وباختفاء القريب وذاق مرارة أن يكون متروكاً... إنه عهد الله إلى إيليّا برد "قلوب الآباء إلى البنين وقلوب البنين إلى الآباء".
وهي الرسالة نفسها التي بشر الملاك بها زكريا حين أنبأه بميلاد يوحنا المعمدان: "ويرد كثيراً من بني إسرائيل إلى الرب إلههم ويسير أمامه وفيه روح إيليّا وقوته، ليعطف بقلوب الآباء على الأبناء، ويهدي العصاة إلى حكمة الأبرار فيعد للرب شعباً متأهباً" (لو 1/16 – 17).
وكرر يسوع البشارة نفسها حين سأل الجموع: "ماذا خرجتم إلى البرية تنظرون؟... ماذا خرجتم ترون؟ أنبياً؟ أقول لكم: نعم، بل أفضل من بني. فهذا الذي كتب في شأنه: "هاءنذا أرسل رسولي قدامك ليعد الطريق أمامك" (متى 11/ 7 – 10).
قيل لنا مراراً إن الصلاة هي أساس كل رسالة، ولكن أنؤمن بذلك حقاً؟
للصلاة
- في صلاتي، هل أنطلق من البشر وأحداث الحياة اليومية نحو الله؟ أم أترك حياتي جانباً وأمضي إلى الله الذي يعيدني ثانية إليها؟ أم لا هذا ولا ذاك فأبدأ من أي من الجانبين ولكن أتوقف في منتصف الطريق؟
- كيف أعيش انتظار المسيح على مثال يوحنا المعمدان ؟ وكيف أجعل من الاحتفال بالميلاد عيداً لله وعيداً للبشر في الوقت نفسه ؟
(*) عن كتاب "Vers Toi Ils Ont Crié" للأب Raymond PAUTREL اليسوعي الصادر عن مجلة رفاق الكرمة الفرنسية Supplément Vie Chrétienne n. 375