إعداد سمر شنودة
عن كتاب للأب ريمون بوتريل (*)
"أيها السيدّ والربّ، اذكرني وشدّدني هذه المرة أيضاً" (قضاة 16/28)
شمشون هرقل الكتاب المقدس:
اقترن اسم شمشون – سواء في الكتاب المقدس أو الفنون والآداب المختلفة – بلقب الجبّار: فهو يحلّ القيود المستعصيّة وينتصر وحده على جيوش ضخمة ويغلب آلاف من الرجال المسلّحين. وقيل عنه في سفر القضاة – تخليداً لذكراه – إن "الموتى الذين قتلهم في موته أكثر من الذين قتلهم في حياته".
وقد اشتهر شمشون أيضاً بقصص الغدر التي عاشها والتي أظهرت في كل مرة جانباً كبيراً من إنسانيته، فهو رغم عنفه رقيق القلب: أغوته زوجته الأولي حتى أطلعها على لغز الأسد والنحل فأخبرت به بني شعبها (راجع قضاة 14/ 12 – 19)، ولكنه رجع إليها بعد حربه مع الفلسطينيين فوجد حميه قد زوجها بآخر. وأما دليلة فقد خدعته بعد أن عرفت سر قوته، وحلقت رأسه وسلمته لأعدائه (راجع قضاة 16/ 4 – 15). وأخيراً سلّمه بني شعبه أنفسهم إلى الفلسطينيين لينجوا هم من أيديهم.
وهكذا نرى كيف أن شمشون متطرف في جميع أحاسيسه – حب كان أم غضب – وهو متسرع في جميع قراراته يتبع أحكام قلبه بدون تفكير، ويتزوج بدلاً من المرة مرتين من بنات أعداء شعبه، ولا يقبل استشارة أو نصيحة، ثم ينتقم للخيانة دون مكر أو تخطيط بل بعنف شديد وليد اللحظة.
وبعد حموته ينسى الشر الذي صُنع في حقه ويرجع بقلب صافٍ، وربما يرتكب الأخطاء نفسها!
للصلاة:
أحاسيسي:
كان شمشون متطرفاً في جميع أحاسيسه، وأنا؟ ما هي الأحاسيس التي أتطرف فيها؟ ما هي المواقف التي أتصرف فيها بعنف؟ مع من؟ متى؟ تحدث إلى الله عنها.
قرارتي:
ما هي القرارات السريعة التي أتخذها يومياً؟ كيف أتخذها؟ كيف تؤثر على حياتي وعلى حياة من حولي؟
شمشون نذير الله:
وقد تتساءل بعد هذه القراءة، ما الذي جعل من شمشون شخصية كتابية تناظر أنبياءً عظام؟ فالكتاب المقدس يروي في سفر القضاة قصة البشارة بمولد شمشون مثله مثل صموئيل النبي الذي مسح داود ملكاً، ومثل يوحنا المعمدان الذي أعد طريق الربّ. وشمشون مثلهما طفل عجائبي، يولد من امرأة عاقر، ويكون نذيراً للرب من البطن إلى يوم وفاته، ويحمل هو أيضاً وعداً بأن يكون على يديه بداية خلاص إسرائيل من أيدي الفلسطينيين (راجع قضاة 13/ 1 – 7).
للصلاة:
معموديتي تشبه البشارة بميلاد شمشون. فما مدى وعيي بأن عمادي أنا أيضاً ميلاد عجائبي وبأني نذير الله؟ ما الذي يميز دوري في مجيء ملكوت الله؟
ولكن ماذا بعد ؟ أين تأثير هذه النبوءة على حياة شمشون؟ أين حضور الله؟ هل أعطاه الله البركة ثم تخلّى عنه ليصرّف أموره بنفسه؟
يذكر لنا الكتاب المقدس موقفين لشمشون أمام الله: أولهما يأتي بعد صراع شمشمون مع معسكر من جيش الفلسطينيين، كانوا يريدون موته (راجع قضاة 15/19 – 20)، وقضى عليهم كلهم وحده مستعيناً بفك حمار. ثم يروي لنا الكتاب المقدس أن شمشون بعد ذلك عطش عطشاً شديداً حتى كاد يموت عطشاً. فصرخ إلى الرب وقال: "قد جعلت بيد عبدك هذا النصر العظيم، والآن فإني أهلك عطشاً وأقع في يد القلف (أي غير المختونين)" (قضاة 15/18).
يصلّي شمشمون بدون لباقة أو تصنّع، فهو يعرض الأمور على الله القدير كما هي: انتصاره ثم اعترافه بجميل الله، تلاه خوفه من الموت واحتياجه: عطشان، ولله مطلق الحرية في أن يتدخل كما يحلو له...
وتأتي صلاة شمشون الثانية في نهاية الإصحاح السادس عشر، ولكن هذه المرة بعد أن عبر مشواراً طويلاً في حياته. فبعد أن خانته دليلة وسلمته للفلسطينيين، ففقأوا عينيه وأوثقوه بسلسلتين من نحاس وجعلوه يدير الرحى في السجن.
أي ذل هذا! فقوة شمشون لم تكن مجرد ميزة أو صفة بل خصلة فيه: إن فقدها فقد هويته. ولذا فإنه يصرخ إلى الله هذه المرة، هو شمشون، طالباً القوة: "أيها السيد الرب، اذكرني وشددني هذه المرة أيضاً. يا الله لأنتقم لعينيّ من الفلسطينيين انتقاماً واحداً" (قضاة 16/28).
في صلاته الأولى كان في قمة مجده بعد انتصار ساحق، وكان من السهل عليه أن يثق في وجود الله معه، فالله هو الذي أعطاه القوة ولم يتخلَّ عنه وقت العطش. ولكن الصلاة الثانية في موقف يختلف كل الاختلاف. ولذا فصلاة شمشون بعد هزيمته تعتمد على الذاكرة، وهو يصرخ إلى الله لا معتمداً على قوته الملموسة بل على وعد الله، وعد مرّ عليه زمناً طويلاً ("اذكرني")، وإن كان يطلب من الله أن يذكره، فهو يعتمد أيضاً على خبرته معه، خبرة لم ينسها رغم الزمن، فهو يصرخ: "هذه المرة أيضاً شددني".
شمشمون... الجبار... المتسرع... الرقيق القلب...
وهو في الوقت نفس، نذير الله... قاضي إسرائيل...
لنصل معه في مواقفه المختلفة
للصلاة
- في صلاتي هل أعتمد فقط على إحساسي أو أيضاً على ذاكرتي وخبرتي مع الله؟
- عندما أكون محتاجاً هل أخبر الله بهذا الاحتياج، أم إني أفضل السكوت؟
- هل أخبره بما يجب أن يفعله ليخرجني من هذا المأزق، أم أتركه يفعل ما يريد واثقاً في أنه يعلم ما أنا بحاجة إليه؟
تحدث إلى الله عن كل هذا.
(*) عن كتاب "Vers Toi Ils Ont Crié" للأب " Raymond PAUTREL" اليسوعي الصادر عن مجلة رفاق الكرمة الفرنسية. Supplément Vie Chrétienne n. 375