بقلم رامي كرم
تَنْويه وتَنَصُّل :
شرعتُ في كتابة هذه السطور بعد تردُّد أكثر من أسبوعين لأنّني-ولا أُخفي اندهاشي واستنكاري-لم أجِد من يُجيب هذا السؤال مستخدماً عبارة "التمييز الروحيّ " ، على الأقلّ في الأوساط الفضائيّة والأرضيّة المحيطة بي. بل سمعتُ إمّا إرشادات مباشرة "عمّن ننتخب لتفادي تقسيم الأصوات" أو نَمْنَمات ورقائق روحيّة عن رعاية الله سواء أحسنا الاختيار أم أسأناه. كان هذا تنويهاً لازماً أحبّ أن أعقبه مباشرةً بتنصُّلٍ واجب أشيرُ فيه إلى محدوديّة معرفتي وكوني آخر المؤهلين لكتابة هذه السطور، خاصّةً أنّني بعيد كُلّ البُعد عن الصلاة والتأمّل اللازمين لمثل هذه الـ"مُعايرات الروحيّة" وعن ممارسة الـ"رياضات الروحيّة". أقولُ قولي هذا لأبرِّر أنّ الوسيلة الوحيدة التي وجدتها مناسبةً هي فتح الموضوع وإلقاء مجموعة من النصوص، ثم تركِ مهمة إكمال تحرير الكلام لكلّ من يقرؤه، على طريقة الـwiki أو الاستعانة بالجمهور crowdsourcing . أيضاً، أحبّ أن أوضّح أنّني استخدمت مفردات من الروحانيّة المسيحيّة، لكنّ الخطوط العريضة تسهل ترجمتها إلى مفردات إسلاميّة أو حتى لا دينيّة.
ومن الآخر، لو ما عندكش وقت لمقدمات أخرى: اذهب إلى رقم ٣
١) الرِفاقُ حائرون؟
طُرِح السؤال منذ فترة، على صفحةِ رِفاق الكرمة على الفيسبوك، حول "من نَنْتَخِب في انتخابات الرئاسة" أو بالأحرى "كَيْفَ نَصِلُ إلى من نَنْتَخِب في انتخابات الرئاسة" في ما لا يخالف شرع الله؟ لطيفٌ ما يحدُث في مصر اليوم : فالجميع يتكلمون في السياسة، وبفضل ثورة انفجر فيها بركان غضب قطاع كبير من الشعب المصري (يقول البعض إنه أقلية لا تمثل الأغلبية عاشقة الاستقرار)، يتمتع اليوم كلّ مصريّ (ولو مؤقتاً) بهذه الرفاهية السياسية التي تجعله حائراً بين ١٣ مرشحاً أو خمسة منهم وهكذا ...
٢) هو الدين بيقول إيه؟
الحقُّ أنّ المسيحيّة لا تقول شيئاً مباشراً على انتخاب الرئيس (إلاّ أنّ السُلطان مُختار الله وأنّ الله يقيمه ويذلّه كما يشاء بحسب تدبيره غير المحدود ولا المفحوص)، ولو شئت ليّ النصوص ليّاً لوجدت بعض ما يشجّع على التشاور والتداول وطاعة الحُكّام والرفق بالمحكومين، إلاّ أنّ الحقيقة هي أنّ الإجابة لن توجد في النصوص، إلا لدى عشاق الترقيع و التدليس وقَلْوَظة المفاهيم .
أمّا الجماعات الروحيّة المسيحيّة المختلفة عبر التاريخ، فلا شكّ أنّ لها قَوْلاً في شأن أيّ "انتخاب". وإلى جانب بعض الأفكار الغيبيّة التواكليّة كترك الله يسهّل الأمور أو استخدام وسائل نصف سحريّة كالقُرعة بعد صلاة صادقة، فإنّ تُراث المسيحيّة قد ترك أعمالاً لا بأس بها في شأن كيفية الاختيار عن طريق فضيلتَيْ "الإفراز" و"التمييز الروحيّ ".
ولأنّ السؤال الذي دفعني للإدلاء بدلوي ورد على صفحة رفاق الكرمة، فسوف أكتفي باللجوء إلى منهج "التمييز الروحيّ" بحسب القديس إغناطيوس، الذي ينتهج الرفاق نهجه، وهو منهج يصبو إلى الإصغاء لصوت الله وسط ضجيج العالم وتمييز صوت روح الله من صوت الشرير/ الشيطان / روح الشر وسط ضجيج الأصوات الداخليّة والخارجيّة.
ولأنّني لا ناقةَ لي في هذا الموضوع ولا جمل، خاصةً في المرحلة الحالية التي أعيشها وما فيها من لا مبالاة أو بلادة روحيّة، فإنني لجأتُ إلى "مساعدة صديق" وإن كان غائباً، فسألت نفسي: ماذا لو سألت شخصاً أثق فيه بالأكثر. كيف سيجيب؟ أو ربما، لأنّ الموضوع يتعلق بالروحانيّة الإغناطية: لو كنتَ كاهناً يسوعيّاً، فكيف تجيب على هذا السؤال؟
افتقدتُ بالتحديد الأب كريستيان. ففكّرتُ في استحضاره متسائلاً: تُرى ماذا سيقول لي الأب كريستيان إذا سألته؟
٣) في ما لا يخالف شرع الله
تساءلتُ-كما أوضحتُ أعلاه-عن كيفَ سيجيب الأب كريستيان، لو كان في صحّته، على أسئلة: "من نختار رئيساً، وكيف نختار، وكيف نستعد للاختيار أصلاً؟"
الإجابة النموذجيّة أعرفها ذهنيّاً؛ فهي الاستعداد الروحي بالوقوف في حضرة الله بلا همّ وعدم التعلُّق ثم تقديم الأمر لمن بيدِه الأمر ثم القيام بالمقارنة عقلانيّاً لتقليل عدد المرشحين إلى عدد قليل (يفضّل أن يكون ٢ أو ٣ على الأكثر)، ثم "استفتاء القلب" في ضوء حب الله وإرادته العليا من أجل الغاية الأسمى وهي مجد الله وخير الإنسان، ومتابعة "حركات النفس" خلال فترة ما بعد الاختيار المبدئيّ… كلام نظريّ لطيف، لكنّني تحديداً أكاد أسمع الأب كريستيان يعطيني مفاتيحَ ثلاثاً للاستعداد للاختيار:
* حجر الزاوية: حُبّ الله
لا جدوى لأيّ شيء يلي هذا الكلام إن لم تكن مغروساً في حبّ الله. لا يمكن أن تبدأ مسيرتك للاختيار (سواء كانت مسيرة مدتها ساعات أم أيّام أم سنوات) بالتركيز على شدة ضجيج العالم أو مقدار عجزك أو بشاعة خطاياك أو علوّ الأسوار المحيطة بك أو كم القيود التي تمنعك أو قوّة أعدائك الظاهرين والخفيين أو "خطورة الموقف" أو فداحة اللحظة المصيريّة الفارقة، إلخ إلخ… البداية هي حبّ الله. هل تؤمن بحب الله في العالم؟ هل تضع حياتك ومماتك وأعمالك وأفراحك وأتعابك ونجاحك وفشلك عند نبع هذا الحب اللامحدود وفي فيضه؟ هل ترى علامات هذا الحبّ في كلّ مكان؟ هل تؤمن أنّ لحبّه الكلمة الأخيرة والنصرة اليوم وكلّ يوم؟ هل تؤمن أنّ هذا الحبّ ينبت في الخفاء رغم الأشواك وسيصير يوماً شجرةً عظيمة تفيض بالحياة على الأخيار والأشرار؟
بشكل أكثر تحديداً… إلى أيّ مدى تتذوّق هذا الحبّ؟ إلى أي مدى تستطيع رؤية أشعة حب الله تَخْرُجُ من قلب الوجود وتلمسُ قلبَ كلّ مرشح رئاسيّ وكل نصير له، وبالأخص هؤلاء الذي لا تطيقُ أنتَ النظر في وجوههم تقززاً وقرفاً أو تعالياً أو خوفاً أو احتقاراً؟ إذا تذوّقت هذا الحبّ فإلى أيّ مدى تستطيع ترجمته إلى ثقة في كلّ مرشح واحترام حقيقيّ له ولمسيرته ولحدوده؟
ابقَ هنا قليلاً وتذوّق هذا الحبّ قبل أن تخطو أيّة خطوة تالية، فإن عجزت عن تذوّقه اطلبه بلجاجة!
* ثانياً: أحقاً تريدُ؟
يجب أن تحدِّد إذا كُنتَ تريد أن تختار بحسب ما تؤمن أنّه مشيئة الله أم لا. حتّى هذا الاختيار يجب أن يكون اختياراً حُرّاً يتخذه قلب خفيف غير مُكَبَّل. الخطوة الأساسيّة والكُبرى إذن هي جزء من أسلوب حياة أكبر. هل أنت تريد أن تسير في طريق الله وتكون كوكباً يدور في فلكه؟ هل قلبك كإبرة البوصلة حُرّ متحرر غير متعلق أو منجذب إلى أيّ مجال مغناطيسيّ يمنعه من الإشارة بحريّة إلى قلب الوجود؟
* ثالثاً ورابعاً وخامساً: لا تَخَف
أسمعُ الأب كريستيان بوضوح شديد يهمس: "بالطبع تعرف أكثر الرسائل تكراراً في الكُتُب المقدّسة: لا تَخَفْ. الخوفُ يشلّ. الخوفُ يُعيق. الخوفُ يقتل. الخوفُ يكتم الصوت. أما الحبّ فيحرر ويطرح الخوف خارجاً."
لا يكُن انتخابك مبنياً على خوف من الماضي أو المستقبل. خوف من أي فصيل سياسيّ. روح الله يحذّر بكلّ رقة أما روح الشرير فيبث الخوف يميناً ويساراً، عادةً بلا تحديد ولا تفسير. ينثرُ بذورَ الخوفِ ثم يتركُكَ تتوه معها، ثم يعاجلك بمخاوف أخرى إن تساءلت عن صحة المخاوف الأولى. لا تَخَفْ، فأنت لا تملك شيئاً من المستقبل، وكل ما عليك هو أن تحسن الاختيار في اللحظة الحاضرة، فهذا هو كلّ ما تسطيع فعله. لا تَخَف، فالخوف هو عدوّك الوحيد إن أفلتَّ منه صار قلبُكَ حُرّاً خفيفاً قادراً.
(بالطبع لا داعي للإبحار في الأمثلة المحيطة بنا والتي لا تحصي: الخوف من الانفلات الأمنيّ؛ الخوف من الغرب؛ الخوف من الإخوان؛ الخوف من السلفيين؛ الخوف من الجماعات المسلحة ذات الفكر الدينيّ الأصوليّ؛ الخوف من الردّة إلى الناصريّة وعمليات التأميم والمصادرة؛ الخوف من الارتداد إلى نظام مبارك؛ وهكذا).
خلاصة القول، الموقف المحوريّ قبل البدء في الاختيار، كما يرِدُ في أدبيّات الروحانيّة اليسوعيّة، هو المبدأ والأساس: "خُلِقَ الإنسانُ ليسبح الله ويمجده وبهذا يخلص نفسه؛ وخلقت الأشياء لتحقيق هذه الغاية الأسمى. لذلك على الإنسان استخدام الأشياء أو التحرر منها بقدر ما يساعده على تحقيق تلك الغاية التي خلق لأجلها."
الموقف المحوريّ هو تفضيل مجد الله المحبّ واتخاذ موقف غير متعلق يسمح للإنسان بأن يكون قطرةً من فيضِ هذا الحب من أجل مزيد من الحب يشبعُ كلّ إنسان ظمئ إلى الخير والحريّة والعدالة والكرامة.
………
أعجبني هذا الكلام الذي ذكّرني بالذي مضى… لكنّني أريد الآن أن أنطلق بشكل أكثر تحديداً إلى انتخابات الرئاسة هذا الأسبوع، وكيف يمكن تطويع هذه المبادئ العظمى السامية لتتناسب مع اختيار مرشح واحد (أو حتى اختيار المقاطعة أو إبطال الصوت).
الفقرتان التاليتان أُفَضِّل أن نقوم بتحريرهما بالمشاركة على الطريقة الويكيّة (wiki)، أو على الأقلّ في تعليقات على هذه التدوينة يمكن ضمّها مستقبلاً للمقال.
الفقرة(٤) أبدأ فيها عصفاً ذهنياً لكمّ كبير من المواقف والفخاخ الشائعة والتي تساعد أو تعيق عمليّة الانتخاب. هذه المواقف والفخاخ أراها تمثل على الترتيب صوتَ الروح وصوت الشرير (بحسب المفردات التقليديّة). ونظراً لخبرتي الكبيرة بالشرير، فسأمنح نفسي دور محامي الشيطان بامتياز وأسرد كماً كبيراً من وساوسه التي أسمعها ليلَ نهار.
وقد يساعدنا في تحرير هذه الرجوع لقواعد تمييز حركات الروح وتمييز الأرواح، وهناك مقال على موقعنا هذا عن التمييز من أجل الرسالة وأيضاً نجو تمييز رسولي.
البديل لهذا الكلام القديم ذي الصبغة المسيحيّة الغربيّة والمفعم بالغيبيّات، ممّا قد يُنَفِّر الكثيرين، هو كلام في علم النفس الحديث خالي من الكوليسترول الدينيّ ويصلح للملحدين واللاأدريين والمؤمنين بالغيب على السواء.
والفقرة (٥) هي بالأكثر حول الأسئلة الأهم في عملية الانتخاب هذه وفي ما سيليها من انتخابات (إن لم تكُن هذه المرّة هي الأولى والأخيرة).
٤) مواقف وفِخاخ
يمكنك قراءة ما يلي على أنّه مواقف روحية إيجابية وفخاخ شيطانية. ولكن، بصراحة شديدة، لكلّ هذا الكلام نظائر لا دينيّة. فلو كنت ملحداً يمكنك قراءة هذا الكلام على أنّه ملامح الاختيار الناضج مقابل المعتقدات اللاعقلانية أو التشوهات المعرفيّة.
باختصار روح الحبّ يبني ويحرّر ويوحد ويتحرى الحقائق ويحسن النية ويبعث الهدوء والسكينة، و"الشيطان" يبث القلق وينثر الشكوك غير المبنية على أسس ويتصيّد الأخطاء وينشر الشائعات وينحاز ويشتت ويخيف ويقلق المنام ويسيء الظن
موقف ١: التواضع.
الوقوف أمام الاختيار بموقف تواضع حقيقيّ لا غنى عنه. فالتعالي على بعض المرشحين بحجة ضحالة تفكيرهم أو التعالي على أنصار بعض المرشحين بحجة سذاجتهم أو جهلهم أو غباؤهم هو فخ يغلق القلب ويحبس الروح.
موقف ٢: الاحترام التام أو التوقف عن الكلام.
طالما سمعت من الأب كريستيان تحديداً (وحتى لو لم أسمع، فكلّ حياته لم تكن سوى احترام في احترام) أنّ الاحترام هو الموقف الأهم في العلاقات الإنسانيّة، لا سيّما العلاقات المعقدة أو الخلافات والصراعات. الاحترام يعني احتراماً تاماً بكل ما يشمله هذا من موقف داخليّ متواضع يحترم الآخر بالفعل إلى مواقف خارجية تشمل كبح جماح الرغبة في السخرية وخفة الدم في غير موضعها، أو تسمية المرشحين (وأنصارهم) بمسميات لا يحبون أن يسموا بها (كالفلول والكنبة والبلطجية والعملاء والجهلاء؛ كالاستبن والشفيق والطرطور والحنجوري والقومجي والكذاب إلخ…).
موقف ٣: إعطاء الآخر فرصة، الإنصات له، معرفة الآخر كما يريد أن يُعرَف هو.
فخ ١: كلهم وحشين. المثالية السلبيّة perfectionism
فخ تقليديّ يتصوّر مدينةً فاضلةً ومرشحاً وهمياً لا وجود له في الواقف، وبالتالي ينتج عنه عدم التصويت أو التصويت بعدم اكتراث والإحباط. كلّ إحباط هو من روح الشرّ، فروح الله ينمي الإنسان ويشرح صدره.
فخ ٢: اللاقرار:
وسوسة الشيطان (أو علامة عدم النضج) هنا تقول: لأن القرار صعب فلن أقرّر شيئاً أبداً. أو ربما سأتظاهر بالتفكير والتمحيص حتى يضيع الوقت ثم أهرب من القرار، أو حتى أعلِّم عشوائياً على أيّ مرشح في النهاية.
فخ ٣: التواكل:
وصوت الشيطان هنا: كدة كدة ربنا هيتصرف فما تعقدهاش ومش لازم تختار أصلاً اللي إنت عايزه. مرّة أخرى هذا الموقف السلبيّ غير الناضج يضع الإنسان في موقع "المفعول به" ويخدِّر توتره الناتج عن شعوره بالمسئولية فتكون النتيجة العكسية اللامبالاة والتنصل من أي مسئولية عن القرار أو عن المجتمع.
فخ ٤: ضغط الأقران:
أنا عايز أختار فلان، لكن أصدقائي هياكلوا وشي، وأنا ما باحبش أكذب. هاختار اللي ما يخليهمش يسخروا مني.
فخ ٥: صوتي لن يؤثر/ مصير الكون متوقف على صوتي:
طبعاً هذا فخ معروف، لكنّه من المهم تفنيده. فالصوت الواحد يؤثر، ومع ذلك الفخ المضاد هو أن "صوتي هو اللي ممكن يقيم الدنيا أو يخربها"، فهذا أيضاً يدخل في نطاق صوت الشيطان إذا أصابك بالقلق والاضطراب. لست مسئولاً عن العالم كلّه لكن لك دور بسيط مقداره ١ من ٣٠ مليون، فقم به، عالماً أنّ الحياة ستستمر به وبدونه.
فخ ٦: الشكوى والعويل.
"الشكر يفتح القلب والشكوى تعطّل عمل اللّه". بدون تعليق آخر
فخ ٧: "كدة كدة هيزوروها"
كلام غير مؤكد ولا معنى له، فاقضِ وقتك بالأحرى في ما تستطيع عمله، وليكُن ما يكون. ماذا لو لم تُزَوَّر الانتخابات؟
فخ ٨: السلبيّة والتركيز على المشاكل.
الغرق في السلبيّات وتحليلها وتتبع تفاصيلها قاتل للأمل وخانق للروح. السلبيّة تجعلك تضيع في تفاصيل المشكلات وتمنعك من رؤية حلول قد تكون واضحة وضوح الشمس. التركيز على سلبيات كل مرشح أنت أصلاً لا تريد انتخابه هي مجرد ممارسة لرفع ضغطك وزيادة قلقك وقتل الحب داخلك، فما لزومها؟
فخ ٩: التركيز على سلبيات الخصوم وتصيّد الأخطاء.
طبعاً معروف أنّ "الحبيب يبلع الظلط والعدوّ يتمنى الغلط". تصيّد الأخطاء عمل الشيطان بامتياز، بينما "المحبة تستر كثرة من خطايا". فلماذا يختار البعض المشاركة الفعالة مع الوسواس الخناس؟ (الحق: صورة لأبو الفتوح في أفغانستان/ الحق، ده كمان كانت دقنه طويلة/ الحق، ده مش عارف مين متصور بيبوس واحدة في بار/ يا نهار اسود، حمدين صباحي هيصادر الأراضي الزراعية لتحقيق حلم عبد الناصر/ فلان هيقتلنا كلنا/ لو انتخبت علان الثورة هتقوم تاني).
فخ ١٠: الانغلاق والتمحور حول الذات وعقدة الاضطهاد.
متلازمة معروفة، فالاضطهاد شيء وعقدة الاضطهاد شيء آخر. قد تكون مضطهداً لا تعاني من هذه العقدة أو تعاني منها، لكن السجن داخل عقدة الاضطهاد كالخوف يكبّلك ويمنعك من الإيجابية ويحبس الحياة فيك. الانغلاق في شئونك الخاصة وشئون جماعتك القريبة قد يمنعك من أن ترى الصالح العام.
٥) الأسئلة الهامّة التي تحتاج إلى تمييز
أضع هذه الأسئلة في صورة سريعة بشكل عصف ذهنيّ… وأدعوكم للمشاركة في تطويرها
سؤال ١: نختار أفضل مرشح أم الأقرب للفوز من الأفضل؟
سؤال إجابته عسيرة. فهناك مبادئ متصارعة في تبني أيّاً من الإجابتين. هل تسرف في المثاليّة أم تتخذ قراراً قد تندم عليه طويلاً؟ هل تتنازل عن مبادئك مقابل حلّ عمليّ يمنع "شراً أكبر"؟ أعتقد أن مفتاح إجابة السؤال هنا تكمن في: ما هي القيم التي يمكنك التنازل عنها (أو التفاوض بشأنها) وما هي القيم الأساسية التي ترفض المساومة عليها أو التفريط فيها؟
سؤال ٢: وحدة الصف وعدم تفتيت الأصوات أم التعددية وحرية الاختيار المطلقة؟
سؤال آخر إجابته عسيرة. فمن ناحية، نرى مفارقات مضحكة مبكية في دعاوى الداعين إلى منع تفتيت الأصوات. بعضهم ينادون بقمع أصوات الأقلية لصالح خير أكبر هو الاتفاق على مرشح واحد يمنع مرشحاً غير ديمقراطيّ من الوصول (!!!)؛ وفي عملهم هذا قد يدوسون على جوهر الديمقراطية من أجل تحقيق الديمقراطيّة، أو يدوسون على الحريّة الفردية من أجل تصعيد مرشح ليبراليّ، وهذا بالفعل ضرب من الكوميديا السوداء. من ناحية أخرى، السؤال لا يخلو من وجاهة: هل نطلق العنان لـ١٠٠ مرشح رئاسيّ ثم نضيع وقتنا في فروق طفيفة أم نلجأ لتوحيد المتفقين على خطوط عريضة معيّنة في فرق (وهذا هو جوهر النظام الحزبيّ)؟ مفتاح الإجابة في رأيي هنا تكمن في تطهير السؤال من الفخاخ: هل دافع توحيد الصفوف هو الخوف؟ إذن فهذا فخ! الخوف يهدم ويُعَفْرِت!
سؤال ٣: مصالح المسيحيين أم مصالح المصريين جميعاً؟
بالطبع لا تناقض، ولكن: ما هو محور التفكير. هل معيارك الوحيد في الرئيس القادم هو ما سيفعل لمصالح المسيحيين، حتّى إن تعارض الاختيار مع خير المصريين ككل؟